ما دوافع هذه المبادرة؟ وكيف يراها من تستهدفهم؟
رفع المؤذن الأذان لصلاة العصر في مسجد “دار السلام” في حي نيكولن البرليني. حث المصلون والمصليات الخطى باتجاه المسجد، وأغلق الشاب الدكانة الملحقة بالمسجد والتحق بالمصلين.
تقابلك، على باب المسجد لوحة، إعلانية ضخمة. وفي داخل المسجد كراسي مصفوفة بانتظام.
فرغ المصلون من صلاتهم، فغادر المسجد بعضهم وبقي بعضهم ليأخذ مكاناً له على الكراسي.
دقائق وانطلقت ندوة للتثقيف السياسي ولتشجيع الألمان من أصول عربية ومسلمة على المشاركة بالانتخابات القادمة.
تعددت الوسائل والمبادرة واحدة
أورد الشيخ فريد حيدر عدداً من الأدلة الشرعية على وجوب المشاركة في الحياة السياسية بشكل عام وفي الانتخابات على وجه الخصوص.
وأضاف: “تجاوزت غالبية المسلمين في ألمانيا مسألة هل المشاركة في الانتخابات حلال أم حرام”.
وتوجه بالسؤال لمن يقول بحرمة المشاركة: “لماذا تتوجه للقانون الألماني لإنصافك عندما يتعلق الأمر بتخفيض قيمة المساعدات الاجتماعية؟ وتبرم عقد هاتف، بحسب القانون الألماني ثم تقول إن المشاركة في الانتخابات حرام!”.
ثم وضح رينهارد فيشر، من “مركز ولاية برلين للتثقيف السياسي”، النظام الانتخابي وآلية العملية الانتخابية.
وكفاصل منشط ولإضفاء جو من المرح ولإشراك الجمهور، جرت مسابقة عن النظام السياسي والنظام الانتخابي في ألمانيا.
تندرج الندوة في إطار مبادرة للمسجد لحث الألمان من خلفيات عربية ومسلمة للمزيد من المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة في الثامن عشر من الشهر الجاري.
وتتضمن المبادرة سلسلة من المحاضرات والندوات باللغتين العربية والألمانية، من أبرز الفعاليات ندوة حوارية مع ممثلين عن الأحزاب الألمانية، بما فيها الحزب اليميني الشعبوي، “حزب البديل من أجل ألمانيا”، وذلك للإجابة على استفسارات العرب والمسلمين.
وتتضمن المبادرة أيضاً استبياناً انتخابياً ومسابقة لأفضل فيلم فيديو قصير لحث المسلم على المشاركة بالانتخابات.
ومن على منبر خطبة الجمعة حث إمام وخطيب المسجد جموع المصلين على التصويت بالانتخابات.
الدواعي والتوقيت
بعد انتهاء الندوة التقينا الشيخ محمد طه صبري، إمام وخطيب المسجد، وسألناه عن دواعي إطلاق المبادرة وهدفها، فأجاب: “جاءت هذه المبادرة انطلاقاً من التغيرات السياسية التي طرأت على المجتمع الألماني.
إذ لاحظنا أن المجتمع في عمومه ينحو نحو اليمين وكذلك بروز حركة ‘بيغيدا’ وحزب ‘البديل من أجل ألمانيا’.
دفعنا هذا الأمر إلى التفكير بأنه يجب أن نكون فاعلين بطريقة أو بأخرى في الحياة السياسية، والمشاركة بالحياة السياسية تعني فيما تعنيه المشاركة في الانتخابات.
هدفنا هو حفظ التوازن في هذا المجتمع والحفاظ على التنوع والعيش المشترك ولحماية حقوق الأقليات ونحن منها كأقلية مسلمة”.
ويرى الشيخ محمد، الذي قلده عمدة برلين ميشائيل مولر قبل نحو عام “وسام الاستحقاق لولاية برلين”، أن الواقع فرض المبادرة والظروف حتمتها؛ فالضغط على الأقلية المسلمة وعلى الإسلام كدين ضغط كبير جداً، على حد تعبيره.
هل كان لملف اللاجئين علاقة بإطلاق بالمبادرة؟
عن ذلك يفيدنا الشيخ محمد: “لعبت قضية اللاجئين دوراً كبيرا جداً، لأنها ارتبطت بالإسلام وبالأقلية المسلمة. وخاصة بعد تحول ثقافة الترحيب إلى ثقافة التهجير وعدم قبول هؤلاء القادمين الجدد”.
ويعتقد الشيخ محمد أن هذه المبادرة ستؤدي إلى “تسريع عملية الاندماج الإيجابي؛ فالمشاركة في الانتخابات ستحتم على المرء معرفة النظام السياسي وآليات المجتمع وإقامة علاقات بجمعيات وأحزاب”.
دور العبادة والتنشئة السياسية
وفق علم الاجتماع السياسي، فإن التنشئة السياسية هي عملية مستمرة لتعلُّم وغرس القيم والاتجاهات السياسية، وتبدأ هذه العملية منذ الصغر وتستمر على مدى الحياة.
تلعب عدة عوامل دوراً مهماً في عملية التنشئة السياسية: الأسرة، المدرسة، الأقران، وسائل الإعلام، ودور العبادة.
الألماني من أصل تونسي، فاضل غربي، يدعم المبادرة ويرى أن من أسباب إحجام ذوي الأصول العربية عن المشاركة بالانتخابات هو “غياب التوعية” ويضيف: “يجب أن تبدأ هذه التوعية من البيت”.
ويقول إن جميع أفراد عائلته يمارسون حقهم بالانتخاب.
وشدد د. توماس شيمل، المدير التنفيذي لـ”1219.الجمعية الألمانية للحوار بين الثقافات والأديان”، على دور الأسرة: “حرص والدي على اصطحابي في صغري معه عند ذهابه للانتخاب، لأنه عاش تحت حكم النازية ويعرف ماذا يعني العيش في ظل نظام لاديمقراطي”.
بلغت دانيا أيوب هذا العام السن القانونية للانتخاب وتقول إنها استفادت من المبادرة: “عرفت أن الانتخاب واجب شرعي”.
وتضيف أنه لتشجيع العرب والمسلمين على الانتخاب “يجب إقامة المحاضرات في أكثر من مسجد وليس هنا فقط، وتوزيع المنشورات الدعائية على الناس ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي”.
نسأل حسين شهاب ووفيق نصر الدين، وهما من أصول لبنانية جالسين في مقهى عن رأيهما: “بمبادرة وبدون مبادرة يجب على الجميع الانتخاب لأن ألمانيا قدمت لنا ما لم تقدمه لنا بلداننا”.
تحفظ ورفض
في مقهى آخر، انضممنا إلى ثلة من الشباب العربي. ناقشنا معهم الانتخابات والمبادرة وكان رأي البعض أن المبادرة جيدة، غير أن البعض الآخر علق بأنه “لا يجب الاكتفاء بحض العرب والمسلمين على المشاركة بالانتخابات، بل لا بد من التحرك لعمل لوبي حقيقي يدافع عن مصالحهم ويعطي لأصواتهم ثقلاً لكيلا تتشتت بين الأحزاب المختلفة”.
غير أن بعض الشباب وجد أن هذا الأمر “غير ممكن عملياً؛ إذ أن الجالية العربية والمسلمة تنحدر من خلفيات سياسية واجتماعية واقتصادية وإثنية وطائفية مختلفة إلى حد التباين”.
غادرنا المقهى واستوقفنا الشاب أحمد الحسين الذي رأى أن “دور العبادة، ومن ضمنها المساجد، يجب ألا تتدخل في السياسة”.