لم تعد غزة نطاق حلمها برغم أعوامها الستة، فمع الفرس "زينة" هذا الحلم آفاقه أوسع ومساحاته أضحت بين مسارات وحواجز بنكهة الوطن اسماً وتمثيلا ًببصمة التواجد عالمياً.
"هلا البطراوي" تجرأت على نعومة أظافرها بحبها وشغفها بالفروسية لتكن أولى خطواتها الفوز بالمرتبة الثانية ضمن بطولة الناشئين في قطاع غزة والتي أقيمت مؤخراً في نادي "الجواد".
ولسلسلة أحلام هلا، حكايات وبقية، فبين طموحٍ محلي هو المزيد من إثبات الذات على مستوى فلسطين، وبين ما هو عالمي بأن تُسجل رقماً قياسي في موسوعة "غينيس"كأصغر فارسة على مستوى العالم، يستمر حلمها بين تدريب وتطوير و مهارات ومشاركة في كافة البطولات المحلية.
ثقة وجرأة وتفاهم … حكاية حب وردية
بثلاث كلمات لخصت السيدة مها البطراوي عشق ابنتها الصغرى لركوب الخيل (ثقة وجرأة وتفاهم)، لكنها لم تخفِ خوف وقلق الأم، بين كلماتها التحفيزية وحديثها المسترسل عن تشجيع طفلتها، وبين بريق عينيها تارة أملاً و إبتهاجاً وتارة متوجسة غارقة بالخوف على الصغيرة، ليبقى هاجسها حبيس أنفاسها أمام بوصلة حددتها طفلتها نحو المشاركات العالمية باسم فلسطين، مؤكدةً بأن حب هلا، للفرس "زينة" خطف قلبها واهتمامها، فهو الطاغي دوماً على أحاديث العائلة ليل نهار، والمُسيطر على مساحات فؤادها بالمقارنة بين حبها تجاه أُمها ليصل لحدود المناصفة والمساواة بينها وبين حبها للفرس "زينة".
وبلمسة الأم الحانية،احتضنت السيدة البطراوي طفلتها لترمقها بنظرة الثقة والإصرار على أن للمشوار بقية، وأنهما سوياً وبكل السبل الآمنة سيمضيان قُدماً لتحقيق حلم فلذة كبدها برغم تأكيدها واعترافها بخوفها الأكبر بأن تتعرض لكسور إثر سقوط متوقع ضمن تدريباتها الأسبوعية أو مشاركاتها والاستعداد للبطولات، مُشيرة إلى أن هذا الشعور الذي يفطر قلبها يزول لحظة أن ترمق طفلتها ممتطية ظهر فرسها التي أكسبتها فوق جرأتها المعتادة الثقة والتمكن والسيطرة وروح التحدي.
وفي أجواء عائلية ملؤها حديث الرياضة حول نشوة الفوز الأخيرة والمشاركة الأولى لـــــهلا محلياً، تحدث السيد كمال البطراوي والد هلا، حول بدايات طفلته ما قبل عام مضى واكتشافه لهوايتها الدفينة قائلا:" التواجد في الأندية الخاصة بتدريب الأطفال على ركوب الخليل باديء الأمر كان عائلياً وخاص بالأخ الأكبر لها (يوسف)، فقد اعتادت العائلة على التوجه لمتابعة تدريباته لتكن المفاجئة بجرأة صغيرته وقرارها الفردي بامتطائها للخيل وبشكل مفاجئ.
وأمام ما يُوصف بالأمر الواقع، أكد البطراوي أنه برغم صدمته للوهلة الأولى بتواجد "هلا" على ظهر فرس، إلا أن جمالية المشهد أمام ناظريه بين تناغم طفلته وقوة حضورها وانسجامها بشكل تلقائي، دفعه للتفكير حول تطوير هذه الموهبة.
وأوضح البطراوي، أن مشهد طفلته أوحى له بالبحث عبر الشبكة العنكبوتية حول تساؤل (من هي أصغر فارسة في العالم؟)، لتكن الإجابة محفزة وملهمة نحو أن يبنى الحلم الوردي لطفلته، بالعمل الدؤوب والتركيز على التدريب والتمرس بترجمة ذلك بإدخال ابنته هلا، في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، لتكن أصغر فارسة، محطماً بذلك آخر رقم تم تسجيله وكان لطفلة تبلغ من العمر تسعة أعوام.
أنامل صغيرة وقطعة سكر
كفراشة ربيع متباهية بألوانها متأرجحة مع نسمات الهواء المنعشة، متنقلة بين حدب وصوب وصولا للمبتغى، كانت "هلا" ما بين استعدادها في غرفتها ولملمة أغراضها وشعرها تحت خوذتها الخاصة بممارسة هوايتها المحببة لقلبها، تغادر "هلا"، منزلها صوب النادي برفقة كل أفراد عائلتها.
وما أن تطأ قدمها أرض النادي يتبادر لك حجم اللهفة والشوق بين عيونها التي ترمق عن بعد مكان محبوبتها التي خبأت لها قطع السكر، تسبقها أنفاسها وهي تركض حاملة أغراضها والعصا الوردية الخاصة بها، محددة الاتجاه نحو الإسطبل وصوتها يسبقها نداء وإشعار بحضورها وهي تنطق اسم فرسها زينة.
وعلى وقع فتح الباب، تطل "زينة" برأسها مرحبة بصغيرتها مستسلمة لها ولمسار المشط على ظهرها بين أنامل صغيرة تحضرها لامتطائها، ولتتحرك بها خارج الأفق ذا الإضاءة الخافتة، نحو أرض الميدان وأشعة الشمس الدافئة التي تستقبلها بالتحفيز نحو المزيد من القفز وتخطي كل الحواجز.
عيون عائلة "هلا" ترمقها منذ لحظات التدريب الأولى وحتى النفس الأخير لنهاية سيمفونية تناغمها وفرسها مابين إحماء وركض وقفز، وعلى نغمات مدربها الذي يشجعها نحو القفز أكثر وأعلى، لتكن نهاية الدوران في المضمار لها بتخطي كافة الحواجز بلمسة حانية ويد ممدودة في باطنها غلة حبة ممزوجة بالسكر، ليكن خير مكافئة لرفيقة درب أسرت صغيرتها وأسعدتها قفزاً وأكملت معها عبر سماء أحلامها اللامحدودة على أمل بأن تكون القفزة التالية باسم فلسطين في مضمار خارج أسوار الوطن.
ولهذا السحر الجذاب بين انسجام صاحبة الستة أعوام وامتطائها المتمكن لفرستها "زينة" عامل نجاح واستمرارية وركيزة أساسية تعول عليها العائلة لتحقق هدف طفلتها، وهي جهود وتوجيهات وتدريبات المدرب أحمد عبد العال، المتخصص في تدريب كافة الفئات بنادي الجواد بغزة، والذي احتضن موهبة الطفلة وعمل بجهد معها للوصول لترجمة هذا الجهد المتواصل بالحصول على المركز الثاني في آخر بطولة محلية نُظِمَت في غزة، مؤكداً لـ"الوطنيـة" على أن نجاح وتمرس الطفلة نابع من أسباب ذاتية داخلها وهي حبها الشديد للرياضة وإيمانها بقدراتها وتمكنها من ترجمة كل التعليمات بحذافيرها وصولا للقفز عن أصعب الحواجز كمتمرسة منذ فترة طويلة، ومتوقعاً لها أن تسبق أبناء جيلها مع ديمومة وتراكمية التدريب المستمر وصولا لتحقيق طموحها.