لقد تطورت السينما المغربية في الأعوام الأخيرة من حيث جودتها ونوعيتها. وأصبحت تعالج منذ نحو عشرين عاما محرمات اجتماعية وسياسية من دون مواربة والتفاف، خاصة أن ما حدث مع السينما المغربية من تغيرات وأحداث دفعتها إلى الوصول إلى ما هي عليه الآن. من أهم هذه الأحداث نجد بروز جيل جديد من المخرجين الشباب الذين سعوا إلى إنجاز أفلام سينمائية ذات مغزى كبير.
ويعتبر المخرج الشاب "محمد سعيد الدردابي" من بين أبرز المخرجين الذين حاولوا من خلال طموحاتهم ومؤهلاتهم الارتقاء بالسينما المغربية لكي تحتل موقعها في المشهد السينمائي العربي والدولي. وإن عمق التجربة المهنية في العمل السينمائي الوثائقي التي يمتلكها المخرج السينمائي محمد سعيد والتي يستطيع من خلالها تكثيف الوعي واختراق المحضور والمسكوت عنه في طرح كل القضايا الراهنة والملحة في عيون الانسان من خلال حياته اليومية المتنوعة، ولأن السينما ذات علاقة وثيقة في مواجهة الواقع والسعي الى تغييره فقد حمل المخرج محمد سعيد هذا العبء على عاتقه، لينهض بالعمل السينمائي الوثائقي المغربي من وسط الركام ومن بين ذلك الخراب ليقودوه نحو دروب مضيئة كجواب على أسئلة الواقع الحياتي الصعب.
لذلك نجده يضيف فيلما جديدا إلى قائمة الأفلام الوثائقية، وعنونه بـ "جدار الصمت". جاء هذا الفيلم كمشروع تخرج لنيل شهادة الماستر في السينما الوثائقية تحت إشراف الباحث والمفكر السينمائي الدكتور حميد العيدوني والمنتج السينمائي العالمي جمال السويسي، ويعتبر هذا الماستر الأول من نوعه على صعيد العالم العربي والإفريقي، إذ يؤطره نخبة من السينمائيين المغاربة والأجانب.
فيلم "جدار الصمت" جعل السينما المغربية تواجه تاريخها من خلال صُناعها، حيث عمد المخرج إلى تصوير فكرته من خلال التركيز على لقاءات مع أسماء وازنة في السينما المغربية.
فيلم موضوعي يطرح للمناقشة قضية شائكة بطريقة مباشرة إلى حد كبير، راهن فيها المخرج على صدق التلقائية دون سواها، إذ تمحور الفيلم حول اشتغال السينما المغربية على الثالوث المحرم المكون من ثلاث مكبوتات كبرى : الجنس، الدين، السياسة، حيث أثارت مؤخرا الصورة واللغة التي انبنت عليها بعض الأفلام المغربية جدلا كبيرا بين المتتبعين لهذا الجنوح نحو الواقعية، فالبعض اعتبرها أمرا حاصلا ما دامت تعبيرا صريحا عن الواقع المغربي، فيما صنفها البعض الآخر ضمن خانة الترويج للفن الهابط الذي يبحث عن جلب الجمهور والربح السريع.
الفيلم يتضمن تسلسلا رائعا للأحداث المعروضة مصحوبة بعناصر الترغيب والتشويق التي تجعل المشاهد مشدودا ينساق مع الفيلم دونما إحساس باثني وخمسين دقيقة والتي هي مدة الفيلم.
إن اختيار هذا الموضوع هو اختيار استراتيجي يهدف إلى اعتبار الفن شريك في الشخصية الفكرية والثقافية والحضارية للمجتمع.
وتجدر الإشارة على أن المخرج السينمائي محمد سعيد الدردابي انفتح على عالم السينما بجميع أشكالها، منذ سن مبكرة، ليجد نفسه ممارسا لفن الإخراج قبل أن يقرر الدخول إلى عالمه الإبداعي، له مجموعة من الأفلام الوثائقية، التي من خلالها يبحث عن الجودة والعمل المتميز لأنه يؤمن أن الجمهور المغربي جمهور متذوق للفن بالدرجة الأولى.