(يُنشر باتفاق مع الكاتب)
حوالي الرابعة مساء، أمام مقبرة الإمام السهيلي بباب الرب في مراكش، تجمع بضعة فنانين تشكيليين ومثقفين، وصلوا من الرباط وفاس والدار البيضاء. ومن مراكش طبعا. ينتظرون وصول جثمان صديقهم الفقيد الفنان التشكيلي فريد بلكاهية. الذي وافته المنية في الليلة السابقة بمنزله في مراكش، إثر صراع طويل مع داء السرطان.
سيارة شرطة زرقاء وقفت أمام مدخل المقبرة، وأخرى تحمل لوغو القناة الثانية. فيما كانت محجبة تبحث عمن يخصها بتصريح حول مكانة الفقيد، وبيدها ميكروفون القناة الأولى، وقف أمام كاميرتها المخرج لحسن زينون والتشكيلي عبد الحي الملاخ، فيما رفض الفنان الحسين طلال نجل الفنانة الراحلة الشعيبية، التحدث إليها مبتعدا وهو يمسح دمعة عينه..
ثم ظهر شرطيان لتنظيم حركة المرور الخفيفة أصلا.
وهرع الحاضرون إلى رجل بجلباب أبيض لتقديم واجب العزاء، إنه رشيد بلكاهية شقيق
المرحوم، وظهر عمر الجزولي رئيس المجلس البلدي السابق للمدينة الحمراء ومعه ولده
ثم ظهر الفنان المهدي القطبي رئيس متاحف المغرب، بجلباب أبيض عاري الرأس.
المقبرة ملاصقة للقصر الملكي، لهذا سنفاجأ بأفراد من الحرس الملكي داخلها، بقبعاتهم الحمراء ولباسهم العسكري الشبيه بلباس المظليين، وهم منتشرون أمام أسوارها العالية لحراسة القصر الملكي.
المتسولون والمتسولات بالنقاب القديم اصطففن صامتين جالسين على رصيف بالمدخل، هكذا طلب منهم، كأنهم بكم، وحدها أعينهم تتكلم. إن والي المدينة والجهة سيحضر..
سيصل شخص بخبر أن الصلاة على الجثمان في المسجد القريب، مسجد مولاي اليزيد بالقصبة. مئذنة المسجد تبدو من وراء سور القصبة، شبيهة بصومعة الكتيبة إلا أنها أصغر طولا. أخبرني الفنان غاني، المقيم بأمريكا، وكان حاضرا، أنها بنيت في نفس عهد الموحدين.
ذهب البعض للصلاة على الجنازة. بعد أداء العصر والصلاة على "جنازة رجل" ظهر النعش في صندوق، محمولا على الأكتاف، ملفوفا بلواء أخضر يحمل شهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مطرزة باللون المذهب .
وتقاطر على باب المقبرة عدد كبير من الفقهاء، جلهم وصلوا على متن دراجات نارية بجلابيبهن البيضاء، تسبقهم لحاهم.
كنا ننتظر وصول وزير الشؤون الثقافية مثلا، وشخصيات رسمية سامية من الدولة والحكومة، لم يحدث شيء من ذلك.
جنازة لا ترقى إلى العطاء الكبير للفقيد في المجال الفني والثقافي ببلادنا.
سيطغى شعور وإحساس مر بالجحود انتشر بين القليلين ممن حضروا من الفنانين والمثقفين.
علقت صديقة تشكيلية لما رأت صور الجنازة أن عدد الفقهاء أكثر من الأصدقاء والأحباب.
كان حضور الرسام عبد اللطيف الزين مفاجئا للكثيرين، تحركت الألسن بالنميمة، هذا الرجل يعرف الكل عداوته اللدودة للمرحوم، وحين ظهر الناقد موليم العروسي تصحبه زوجته الفنانة كنزة بنجلون، بدأ حديث هامس وغاضب ينتقد بشدة دوره في تنظيم معرض معهد العالم العربي بباريس، بعضهم شكك في أهليته للقيام بهذا الدور، آخر تحدث عن صلته المشبوهة بمسؤول فرنسي بمعهد العالم العربي بباريس.
ولم يفلت المهدي قطبي من النميمة، لكن الكل تقدم للسلام عليه ومبادلته التعازي.
كانت الفنانة كنزة بنجلون رفقة امرأة أخرى مسنة هما المرأتان الوحيدتان اللتان حضرتا مراسيم الدفن، استغربت فنانة صديقة اتصلت بي كيف استسلمت رجاء للتقاليد البالية ولم تحضر جنازة زوجها، رجاء بنشمسي الكاتبة باللغة الفرنسية بقيت في البيت الذي يقع في منطقة النخيل الراقية، وقد التحق به بعض المشيعين، حيث تم تقديم الزبدة والعسل والزيتون مع الشاي والقهوة والكفتة للمعزين، كان عدد النساء بجلابيبهن ومناديل الرأس أكثر، ولم تكن فانو حاضرة، سمعت أن طائرتها ستصل من سويسرا اليوم السبت، وفانو هي ابنة فريد ورجاء وتبلغ من العمر عشرين سنة.
في المساء أخبرت القناة الأولى أن العاهل المغربي محمد السادس، بعث برسالة تعزية لعائلة الفقيد. أما قناة عين السبع "دوزيم" فأدرجت في آخر مواد نشرتها المسائية تقريرا مختصرا عن جنازة الراحل بلكاهية، وأعطي الميكروفون لأشخاص من بينهم يهودي مغربي يدير رواقا فنيا بالعاصمة الاقتصادية، كلهم أثنوا على مزايا وخصال ومكانة الفقيد.
سألني المراكشي الموظف بشركة العمران:
– وهل دخل هذا الشخص المقبرة؟
لما أجبته بنعم انتفض بغضب:
– ما كان عليهم أن يتركوا يهوديا يتسلل إلى مقبرة المسلمين.