قدمت المندوبية السامية للتخطيط يوم الجمعة (فاتح يونيو) بمقرها الرئيسي في الرباط (حي الرياض)، نتائج “البحث الوطني حول الشباب”.
وقد شمل البحث الذي أجري خلال سنة 2011 عينة تضم 5.000 شاب وشابة، و وقع الاختيار على فئة عمرية ما بين 18 و 45 سنة.
ويروم البحث الذي أنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط “رصد قيم وسلوكيات هذه الفئة من السكان، وكذا تصوراتها لمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والمؤسساتي”.
وفي ما يلي نقدم أهم معطيات وخلاصات ونتائج “البحث الوطني حول الشباب”:
لماذا وقع الاختيار على الفئة العمرية 18-45 سنة؟
لا يوجد أي تعريف كوني للشاب من حيث الفئة العمرية. وإذا كان الحد المتمثل في 18 سنة يجد تبريره في سن الرشد، فإن اختيار حد أعلى لسن الشاب يتغير بشكل كبير حسب الدراسات والمؤسسات. فالعديد من قواعد المعطيات الدولية تَعتبِر بمثابة شباب الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 وأقل من 25 سنة، فيما اعتمدت دراسات وتحاليل وطنية ودولية أخرى الفئة العمرية المتراوحة بين 15 وأقل من 30 سنة، بل وحتى 18-29 سنة.
في هذا البحث، عمدت المندوبية السامية للتخطيط إلى توسيع الفئة العمرية لتصل إلى حد 45 سنة، وذلك لعدة أسباب، حيث يعود السبب الأول في ذلك إلى ارتفاع أمل الحياة نتيجة التحول الديموغرافي الذي يعيشه بلدنا، حيث ارتفع من 47 سنة في 1962 إلى 74.8 سنة في 2010، وهو الأمر الذي يفسح مجالا أوسع لمفهوم الشباب.
ويكمن السبب الثاني في أنه في سياق الانفتاح على أنماط جديدة للاستهلاك وعلى قيم وسلوكات اجتماعية تتزايد هيمنتها على الصعيد الدولي، فإن الحاجيات الاجتماعية والطموح إلى الرفاه والقيم الثقافية لجزء من السكان تبحث عن مجالات جديدة للتعبير يمكنها أن تكتسي، لفترة من الزمن على الأقل، طابعا فئويا أو غير منظم.
يمكِّن توسيع الفئة العمرية لتصل إلى حد 44 سنة كاملة من الكشف عن الاختلافات المحتملة في السلوكات والإدراكات بين ما يمكن أن نسميه الجيل الذي ولد وترعرع في مرحلة التقويم الهيكلي وبين جيل الانفتاح الاقتصادي والديمقراطي.
وفي الأخير، تكتسي الساكنة التي تتراوح أعمارها بين 18 و44 سنة كاملة أهمية كبرى ومتنامية في مجموع السكان. إذ انتقلت نسبتها من مجموع السكان من 35.7 في المائة في 1982 إلى 43.6 في المائة في 2010. ومن حيث الحجم، انتقلت من قرابة 7.3 مليون إلى 13.9 مليون نسمة، وهو ما يعني وتيرة نمو سنوي بمعدل 2.3 في المائة. وقد تواصل هذه الفئة العمرية زيادتها بمعدل نسبة نمو سنوي أقل من 0.5 في المائة لتبلغ 15.3 مليون سنة 2030 أو ما يعادل 40.1 في المائة من سكان المغرب.
إجمالا، كل إسهام في معرفة أفضل لهذه الشريحة من السكان يشكل مساهمة وتنويرا مفيدا بالنسبة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى بالنسبة للنقاشات الدائرة حول نموذج مجتمع المستقبل.
المقاربة المنهجية للبحث
شمل البحث عينة يبلغ تعدادها 5000 من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 18 وأقل من 45 سنة (31 في المائة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة و37 في المائة بين 25 و34 سنة و32 في المائة بين 35 و44 سنة). وقد اعتمدت خطة للمعاينة من الصنف التراتبي ذي الثلاث درجات: تم أولا سحب 403 وحدة أولية من العينة الأساسية وسحب عينة من الأسر من كل وحدة أولية. وبعد ذلك، تم سحب شاب يتراوح عمره بين 18 و44 سنة من كل أسرة من العينة. وجرت عملية جمع المعطيات ميدانيا من 21 مارس إلى 5 أبريل 2011. وتطلب استغلال البحث، نظرا للطابع الكيفي للأجوبة، تبني مقاربة متأنية، صارمة ودقيقة قبل الوصول إلى الخلاصات التي سنقدمها لكم.
مميزات هذه الفئة العمرية في بيئتها الاقتصادية والاجتماعية
تضم هذه الفئة العمرية 60 في المائة من الحضريين و52 في المائة من النساء، قرابة نصفهم متزوجون: 17 في المائة من بين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة و80 في المائة من بين فئة 35 – 44 سنة. ويتوفرون عموما على مستوى تعليمي ضعيف خصوصا بين النساء والقرويين.
وإجمالا، لا يتوفر شاب من أصل ثلاثة على أي مستوى دراسي. وهذه النسبة أعلى في صفوف القرويين، حيث تبلغ واحدا من أصل اثنين مقابل واحد من أصل خمسة في صفوف الحضريين. وتبلغ هذه النسبة أربعة من أصل عشرة في صفوف النساء مقابل اثنان من أصل عشرة في صفوف الرجال. ويسجل هذا الجيل الذي سمته المندوبية السامية للتخطيط، جيل إعادة التقويم الهيكلي (35-44 سنة)، نسبة تساوي ضعف نسبة جيل 18 – 24 سنة (38 في المائة مقابل 15 في المائة). وأخيرا، لا تبلغ نسبة الشباب الذين يتوفرون على مستوى التعليم العالي سوى 9 في المائة.
ويتميز اندماج هذه الشريحة من السكان في الحياة النشيطة بمستوى نشاط ضعيف، خاصة في صفوف الشابات وبنسبة عالية من البطالة على الخصوص في صفوف الحضريين. وتبلغ نسبة النشاط 56 في المائة غير أنها ثلاث مرات أعلى في صفوف الرجال (86 في المائة) منها في صفوف النساء (28,5 في المائة). وتنتقل من 44 في المائة في صفوف الفئة العمرية 18-24 سنة إلى 62 في المائة في صفوف الفئة العمرية 35-44 سنة.
وإجمالا، تعاني من البطالة 12% من هؤلاء الشباب النشيطين، وهذه النسبة هي أعلى ثلاث مرات في صفوف الحضريين (17 في المائة) منها في صفوف القرويين (5 في المائة) وبين الفئة العمرية 18-24 سنة (18 في المائة) مقارنة مع فئة 35-45 سنة (5,5 في المائة). وفي ما يخص الشباب غير النشيطين، فإنهم في ثلاث حالات من أصل أربعة ربات بيوت وفي 21 في المائة من الحالات، تلاميذ أو طلبة.
وفي هذه الظروف، فإن من المفهوم أن 67 في المائة من الفئة العمرية 18 – 24 سنة لا تتوفر على مورد للدخل، فإنه ينبغي أن نسجل بالمقابل أن هذه الوضعية تطال 40 في المائة من الفئة العمرية 35 – 44 سنة.
وفضلا عن ذلك، فإن أزيد من نصف الشباب (54 في المائة) ما زالوا يعيشون داخل البيت العائلي. وتشمل هذه الوضعية على الخصوص الشباب من الفئة العمرية 18 إلى أقل من 25 سنة (81 في المائة مقابل 25 في المائة من الفئة العمرية 35-44 سنة) وعددهم أعلى في صفوف الرجال (67 في المائة) مقارنة مع النساء (41 في المائة). ويتعلق الأمر علاوة على ذلك ب 81 في المائة من العزب و16 في المائة من المتزوجين و3 في المائة من المطلقين أو المترملين.
مع ذلك، لا تؤثر الهشاشة في مجال التشغيل والدخل على نمط اندماجهم في الوسط العائلي. ذلك أن 9 في المائة فقط من هؤلاء الشباب صرح بأنه يعاني من صعوبات مع آبائهم، خاصة في ما يتعلق بالنتائج المدرسية أو علاقاتهم الاجتماعية أو باحترامهم الضعيف للتعاليم الدينية أو القيم التقليدية.
وفي هذا الإطار، فإن 42 في المائة من الشباب العُزب لا يفكرون في الزواج، ويتعلق الأمر برجل واحد من أصل اثنين مقابل فتاة واحدة من أصل ثلاث (31 في المائة) و56 في المائة في صفوف الفئة العمرية 18-24 سنة مقابل 25 في المائة في صفوف فئة 35-44 سنة. والأسباب التي يرد ذكرها تتعلق بالإمكانيات المالية (38 في المائة) والسن (35 في المائة: منهم 40 في المائة من الرجال مقابل 24 في المائة من النساء) ويطرح 16 في المائة منهم مسألة القدَر (41 في المائة من الفتيات و4 في المائة من الرجال).
ويمر انفتاح الشباب على بيئتهم عبر التلفزة والإذاعة والإنترنيت. ذلك أن 68 في المائة من الشباب صرحوا بأنهم يشاهدون التلفزة أو يستمعون للإذاعة بكيفية منتظمة. ويستعمل أقل من ثلث الشباب (30 في المائة: 43 في المائة من الحضريين و10 في المائة من القرويين) الإنترنت (14 في المائة منهم بانتظام و16 في المائة من حين إلى آخر) أساسا من أجل الاستماع للموسيقى ومشاهدة الأفلام (70 في المائة)، أو التواصل في إطار الشبكات الاجتماعية (62 في المائة) أو البحث عن معلومات (59 في المائة) أو القيام بأبحاث علمية ومدرسية (51 في المائة).
وفيما يخص المصادر المفضلة لاستقاء الأخبار الوطنية، يستعمل قرابة الثلثين من الشباب وسائل الإعلام الوطنية، في حين يحصل 24 في المائة منهم على هذه الأخبار عن طريق وسائل الإعلام الأجنبية و5% منهم بواسطة الأصدقاء والأقارب.
– المرجعية الثقافية والأخلاقية
يشكل حب الوطن والعائلة والدين النسق المرجعي للشباب، حيث تؤكد غالبية الشباب المغاربة اعتزازها بمغربيتها (98,5%). وتُعتبر العائلة بالنسبة ل 54,6% والدين بالنسبة ل 24,1% بمثابة أهم الأمور في الحياة. ويأتي بعد ذلك الشغل (10,4%) وتقدم البلد (8,7%) وأخيرا الدراسة (2,3%).
وتجدر الإشارة إلى أن أهمية العائلة قد تم ذكرها على الخصوص من طرف ربات البيوت (65,7%).
ويَعتبر شابان من أصل ثلاثة الزواج قيمة مرجعية وذلك لأسباب تتعلق بالاستقرار العائلي، ويَعتبر الثلث الباقي الزواج أساسيا لأسباب دينية. ويرى 91% منهم أن نجاح الزواج رهين بالإخلاص و يعتقد 81% منهم أن الأطفال يكتسون أهمية بالغة في ذلك النجاح.
إلى جانب هذه القيم، التي تبقى تقليدية مع ذلك، تحيل عوامل أخرى إلى ممارسات أكثر حداثة مثل مشاركة الرجال في الأشغال المنزلية (39%) والمحافظة على الحرية الفردية (30%).
وعلى مستوى آخر متعلق بالممارسات الاجتماعية، يتبين أن 19% من الشباب صرحوا أنهم استهلكوا السجائر و8% الكحول و5% المخدرات. وتهم هذه الظواهر، الرجال أكثر من النساء. وهكذا صرح 39% من الرجال أنهم استهلكوا السجائر و15% الكحول و11% المخدرات، فيما تبلغ هذه النسب لدى النساء 0,8% و0,4% و0,3% على التوالي. ويشكِّل الفضول والرغبة في محاكاة الأصدقاء العوامل التي تدفع بالشباب إلى استهلاك هذه المواد.
وتؤمن أغلبية الشباب بتكافؤ الفرص بين الجنسين في مجالي التمدرس ) 81.4%( والتشغيل (68%). ويؤمن بذلك عدد أكبر من حملة شهادات التعليم العالي (88.5 % و74% على التوالي).
وتعبِّر النساء عن الإيمان بتكافؤ الفرص في مجال ولوج الشغل، بشكل يفوق تعبير الرجال عن ذلك (74% مقابل 60%). غير أن 60.5% فقط يؤمنون بالمساواة بين الجنسين في مجال ولوج مناصب المسؤولية.
وأخيرا، عندما يُطرح عليهم السؤال حول قيمة أو شخصية يتماهون معها، فإن 63% يصرحون بأنهم لا يتوفرون عليها [القيمة والشخصية]. وتذكر البقية منهم شخصية أو قيما تنتمي أساسا إلى المجال الديني (25%) أو الفنون (25%) أو الرياضات (23%).
– الإدراكات المتعلقة بالواقع الاجتماعي
تعتبر أغلبية الشباب المغربي أنها تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، ذلك أن أكثر من شاب من أصل اثنين (52%) يعتقد أنه ينتمي إليها، مقابل 46% يعتبرون أنهم ينتمون بالأحرى إلى الطبقة المتواضعة.
وحسب المستوى الدراسي، فإن 37% من الذين لا يتوفرون على أي مستوى دراسي يعتبرون أنفسهم من الطبقة المتوسطة مقابل 57% من الذين يتوفرون على مستوى دراسي متوسط و 73% من الذين يتوفرون على مستوى دراسي عال. وحسب الفئة العمرية، يعتبر 57% من الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 18 و24 سنة مقابل 49% من بين الفئة 35-44 سنة أنفسهم من الطبقة المتوسطة.
وعند طرح السؤال حول تطور مستوى معيشتهم خلال السنوات العشر الأخيرة، يصرح 45% منهم أنهم لمسوا تحسنا في ذلك المستوى و32% استقرارا، فيما يعتبر 21% أن ظروف العيش قد تدهورت. ويُدرك التحسن من لدن 49% من الفئة العمرية 18-24 سنة مقابل 43% من الفئة العمرية 35-44 سنة.
ويصاحِب هذا التثمين الإيجابي لتطور مستوى المعيشة، توافق واسع في صفوف الشباب حول تزايد التفاوتات الاجتماعية (67% منهم) وتدهور التضامن العائلي (45% إجمالا: 49% بين صفوف الفئة العمرية 35-44 سنة مقابل 42% بين فئة 18-24 سنة).
وعندما نسألهم حول عوامل الارتقاء الاجتماعي، فإن 72% منهم يذكرون عامل الطموح والجدية و 76% يذكرون التعليم. كما يعتبر الانتماء إلى عائلة ميسورة عاملا بالنسبة ل 54%، في حين أن الانخراط السياسي والانتماء العرقي أو الجهوي لم يتم ذكرهما إلا من طرف 26% و 16% من الشباب على التوالي.
وأخيرا، وبخصوص الجانب المؤسساتي، يعتبر شاب من بين اثنين (54,3 %) أن الممارسة الديمقراطية قد تحسنت بالمغرب.
– المشاركة في الحياة العامة
يُولي الشباب المغاربة اهتماما قليلا بالشأن العام، ذلك أن 1% منهم فقط منخرطون في حزب سياسي، ويشارك 4% منهم في اللقاءات التي تنظمها الأحزاب السياسية أو النقابات، و 1% أعضاء نشيطون في نقابة ما، ويشارك 4% منهم في مظاهرات اجتماعية أو إضرابات في حين يُشارك 9% منهم في أنشطة تطوعية. وفضلا عن ذلك، يشارك في الانتخابات 36% بكيفية منتظمة و14% بكيفية غير منتظمة.
وعلاوة على ذلك، عبر 58% من الشباب عن ثقة كبرى أو متوسطة في العدالة (مقابل 26% لا يثقون فيها)، و 49% (مقابل 32%) في الحكومة، و 60% (مقابل 24%) في الصحافة و 49% (مقابل 28%) في المجتمع المدني و 37% (مقابل 42%) في البرلمان و 26% (مقابل 60%) في الجماعات المحلية و 24% (مقابل 55%) في الأحزاب السياسية.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مستوى الثقة في المؤسسات هو، على العموم، أعلى نسبيا في صفوف الشباب القروي بالمقارنة مع الشباب الحضري، وفي صفوف النساء مقارنة مع الرجال وفي صفوف غير النشيطين، وعلى الخصوص ربات البيوت، مقارنة مع العاطلين.
الأولويات والانشغالات
فيما يخص أولوياتهم، يطرح 96% من الشباب التشغيل وتكافؤ الفرص للولوج إليه، و 83% مسألة إصلاح التعليم، ويحتل السكن اللائق المرتبة الثالثة ضمن الأولويات بنسبة 81% متبوعا بتحسين الخدمات الصحية بنسبة 76%. وقد تم ذكر احترام حقوق الإنسان كأولوية من طرف 72% من الشباب وتوسيع مجال حرية التعبير من طرف 62% منهم.
وبالنسبة للمستقبل، يُشكل غلاء المعيشة (84%) والبطالة (78%) وانخفاض مستوى الموارد (78%) الانشغالات الرئيسية للشباب.
أكورا بريس