رشيد عنتيد مؤسس حركة عشرين فبراير( حرية و ديمقراطية الآن): لماذا أنا ملكي!

 

بقلم: رشيد عنتيد مؤسس حركة عشرين فبراير( حرية و ديمقراطية الآن)

الاستقلالية فضيلة في التفكير و اختيار يجعل المرء يتواجه بالإقناع الذاتي مع الأسئلة، و تكون المسافة بين الذات و الفكر غير محكومة بالحرج،   وتكون القناعة قادرة على الانفتاح ومشاهدة جميع الاتجاهات.. الاستقلالية لا تعني هنا عافية الخمول، و لا هروب الكسلان من ضرورة المواجهة، الاستقلالية الحقيقية اكتفاء ايجابي و مشاهدة متعالية عادلة مع الجميع و قاسية مع الجميع..
مقدمة لابد منها لكي يفهم المتلقي سر الجرأة التي تدفع ثلاث شبان مغمورين على الشبكة الافتراضية الى الخروج في غفلة من الجميع على أبواب العواصف الي أخذت تطيح بالحكام المجاورين..هي جرأة لا يعرف حقها الكثيرون الآن، لأن الطريق عبدناها لهم من قبل و قد قررنا من قبل أن نقول كلمة الحق لا يهمنا بعدها أن نذهب الى الموت أو يأتي هو إلينا.. ومن سار على الحصر و الجمر ليس كمن جاء بعده و الحصى ترمل و الجمر ترمد..
مقياس الجرأة أسوقه هنا ليس للتفاخر و النفخ في الذات، و البحث عن زعامات صارت الآن هواية مستحبة و نياشين توزع بدون استحقاق، و لكنه مقياس دال على قدرة الاستقلالية على الفعل و بعث الشرارة و تحقيق المنعطف و القطيعة التاريخية، لأن الاستقلالية حرية مؤكدة ثائرة في كينونتها على الدوام و قادرة بالفعل على تحويل الثورة الى فعل تغييري حقيقي..

ثغرة الاستقلالية ضعفها في الحشد الكمي و استغناؤها عن تأييد الأكثرية و شكها الدائم الذي لا يستهوي الجماهير التي تحب الكاريزما و طمأنينة الإتباع و لو كانت بالكذب و السراب.. و تلك ثلمة دخلنا منها أصحاب الأجندات الجاهزة منذ القرن الماضي، الذين يتحركون بالوصايا و التركات وفق تفكير العشيرة التي تتواطؤ بالصمت عندما يطلب منها ذلك، و تتواطؤ بالصراخ عندما يطلب منها أيضا ذلك.. و القناعة في العشيرة مصيدة دست للشاب الطيب الذي جاء زائرا حتى صار من الأتباع و بعدها يصير الحزب و التنظيم هو الحقيقة التامة و الدفء و النعيم، و خارجه الشر المستطير…
عندما حرفت حركة عشرين فبراير و تركت الإسم الجامع المانع “حرية و ديمقراطية الآن” لتتحول الى مجرد يوم غائم في السنة، كان الدافع اللاواعي هو اللحاق المتأخر بحركية جديدة مستقلة قادرة على تحطيم الجميع، وبذلك تساوت تحركات الدولة الأمنية للتطويق و الإستخبار مع تحركات الأحزاب و التنظيمات للإحتواء و الإندساس.. كانت حركة حرية و ديمقراطية الأن فعلا فاضحا بكل المقاييس عندما جردت تنظيمات بقدها و قديدها من سبب وجودها..فتحريف الحركة عن وجهتها كان عبارة عن إنقاذ ماء الوجه و الدفاع عن الخبز اليومي المحشو بالدسم الذي يعتاش عليه كثير ممن يسمون أنفسهم المناضلين و المعارضين..
مرت شهور من الإحتجاج الهادر بمقياس الكم، الفارغ المعنى و الهدف بمقياس الجودة، تعرفون الآن أنها كانت طاقة مهدورة على الفراغ مقابل تغيير كبير حاسم كان على وشك الحدوث لو تركت الحركة تنمو طبيعيا دون منشطات…تغيير لم يتم ليس بفعل مقاومة القوى المضادة التي ترفض المس بمواقعها و امتيازاتها، و لكنه تغيير لم يتم لأن من ضمن القوى الرافضة للتغيير قوى التغيير نفسها، لأن كل تغيير حقيقي سيسلبها سبب وجودها..هل تستطيع خديجة الرياضي (وغيرها كثيرون ) مثلا أن تستغني عن رضاعة حقوق الإنسان التي تلقم جمعيتها الحقوقية ؟ هل يستطيع عبد الحميد أمين أن يلتزم الحياد و يمنع نفسه عن التدخل فيما لا يعنيه وهو من وجه الطفل أسامة الخليفي الى التنسيق مع جماعة العدل و الأحسان ووضعه في الواجهة و إلباسه لباسا أكبر مما وضعناه نحن له عندما كلفناه فقط بقراء البيان التأسيسي للحركة فقط لأننا لم نكن نتوفر على مكان آمن لتسجيل الفيديو..ثم تحول الطفل عما قاله بعظمة لسانه الى ما لقنه له محترفوا الرشوة السياسية ؟
بأي مورد سيعيش مجلس إرشاد الجماعة و باقي الأطر المتفرغة التي تحصلت على الإمتيازات ” الإيمانية ” ؟ هل تستطيع الجماعة أن تقول لأتباعها أن مؤسس الحراك الشبابي رشيد عنتيد هو أحد أعضاء الجماعة السابقين الذين “تساقطوا” و شب عن الطوق و ترقى من طفولته افكرية ؟
لعل هناك من سيقول : و ما علاقة الاستقلالية بكل هذا الكلام ؟..
الاستقلالية قدرة حرة على التجدد و النطق بالجديد كالوحي عندما يتنزل الى غار التوحد حراء.. و في الزمن الأرضي الحياد وليد الاستقلالية، و الحياد ملزم في الإحتجاج و المطالبات باسم المجتمع..حياد كنا نتوفر على قدر كبير منه و نحن نحرر البيان التأسيسي للحركة جعلنا نشكل خلاصة الحوارات الرائجة في ” مغاربة يتحاورون مباشرة مع الملك ” و هي حوارات كانت تتفق عل توزيع المسؤوليات بالتساوي بين فاعلي التغيير و كانت المؤسسة الملكية من ضمن الفاعلين، و قدرنا بذلك مسؤولية تجنيب المجتمع و الحراك ( مخاطر الفشل ) التناطح البليد مع الملكية و تقدير لما قامت به الملكية في السابق من مجهودات تطوير الدولة و في نفس الوقت تحفيزها على الإستمرار في ذلك بعد التراخي و التباطؤ الذي أعقب مسلسل التناوب السياسي و طي صفحة موروثات سنوات الرصاص..
من المبررات التي ساقها العلماء الأشاوس في فنون الثورات، أننا حركة إصلاحية وسط موضة إسقاطات الأنظمة.. و الآن بعدما آلت إليه حركة عشرين فبراير من الفشل الذريع يحق لنا أن نحاكم من حرف أهداف توجهات الحركة ، و حري بمن يسمون أنفسهم ديمقراطيين أن يقدموا لنا الحساب ويقدموا استقالاتهم من تنظيماتهم لأنهم فشلوا في إسقاط النظام..لا أحد يطالبهم بتقديم الحساب لأنه نفس منطق العشيرة..
قالوا عنا أننا نفتقد النضج السياسي و أعطوا لأنفسهم الحق في الإندساس و استدعاء جماعة غريبة التفكير متضخمة بالورم الأصولي، و يخلطوا جمل مطالبات هي عبارة عن تراضيات إديولوجية و تقسيم لكعكة حرية و ديمقراطية الآن المجيدة. .تحالفات مبهمة جعلت المجتمع يتوجس منذ البداية، و كان رشيد عنتيد من الرافضين الأوائل للعب المغشوش و المنددين بالتلاعب بمصير المجتمع و المغامرة بمستقبل البلاد..
في 12 دجنبر 2010 قلت على الفيسبوك في تعليق على ما نشره صديقي هشام شكار بعنوان ” محمد السادس يرفض ركوب طائرته الخاصة ” و كتبت : ” محمد السادس شخص غير سلطوي و إنساني في طبيعته ..لكن مسؤوليته كحاكم تفرض عليه تحمل مسؤولياته عن البيادق و البراغيث التي تستبد و تغتني بالملكية..ننتظر أن يرفضهم و يركب في سيارة الشعب المقهور و يدخل من باب الملكيات الحداثية و الديمقراطية “..و قلت في تعقيب على رد صديقي أحمد قطيب: ” المغاربة تحكمهم نزعة أوديبية في علاقتهم بالملك..من منظور سياسي الملكية قامت بإحداث توازن في الصراع عن طريق احتكار الحكم، وهذا يفسر الاستقرار النسبي في المغرب..الملكية مكسب يمكن الدفاع عنه و انتقاده أيضا..أنا أعتقد أنه يمكن انتزاع الملك من أيدي من يجعلون الملكية ذرعا واقيا يحمي مكتسباتهم و اغتنائهم “.. و بعدها كتبت في تعليق لاحق : ” في السياسة ووفق معطيات التاريخ و الواقع أضن أنه يجب الكف عن مطالبة الملك بالعمل وفق منطق العصا السحرية..لا أحد يتخلى عن منصبه و أمنه بالموعظة و الأخلاق، يجب مخاطبة الملك من منظور براغماتي مزدوج لكي تحصل القناعة أن استمرارية الملكية لن يتم الا بتكريس مشروعية حقيقية بالاصطفاف الى جانبنا و ليس الى جانب أولئك الذين يخيفون الملك من الشعب و يعملون على استمرار الفقر و التخلف الذي يغذي حقد الشعب على صناع القرار”..
هل لم أكن في يوم ما غير ملكي ؟.. يمكن أن تكون ملكيا دون أن تتخلى عن جوهرك الثوري.. عندما كتب ما كتبت كان الحديث عن الملك من الطابوهات، و الآن أصبح يزعم الكثيرون أن الحديث بوقاحة و قلة أدب عن شخص الملك يدخل في إطار حرية التعبير لكنه في الحقيقة فقر في الخيال و خلط بين الحقد و النقد…
نحن جميعنا ملكيون بحكم الواقع و الممارسة إلا من استثنى نفسه تكبرا و استعمالا لحيل البقاء الإيديولوجي و بكاء الأطفال عندما يريدون المزيد من الحلوى..المجتمع المغربي ملكي بطبيعته و مزاجه، و لكل واحد طريقة تعبيره في ذلك و هذه طبيعة لصيقة بالطبيعة التعديية الإنفتاحية للإنسان المغربي ، و هذا يعني أننا أمام مكسبين :
أولا : أننا نتوفر على سلطة مركزية موحدة تملك القدرة على تمثيل الجميع، و المعبر الوسطي الذي تمر به و عبره التقاطبات و المصالح ، فمركزية المؤسسة الملكية مركزية أفقية خاصة مع التوزيع الجديد للسلط الذي جاء به الدستور الجديد..
ثانيا : أننا نتوفر على سلطة قادرة على اختزال الزمن التغيري بحكم مشروعيتها التاريخية و ما تتيحه لها من قدرة على الإقناع و التحكيم و هي خاصية تجعلها قادرة أن تتحول زمنيا وفق شروط موضوعية الى ملكية برلمانية محايدة..
نقول عن أنفسنا نحن ملكيون لكن لا يعني أننا نريد إنتاج الماضي و أخطاء الماضي عندما انحاز الحسن الثني ( و فق إكراهات تاريخية ) الى سهولة الحكم بالاستبداد، و لا يعني أننا سنكف يوما ما عن مطالبتها بالقيام بما يجب القيام به عندما تقتضي الضرورة ذلك..هل يمكن فهم الحكم القاسي للحسن الثاني دون ربطه بمحاولات القفز على الحكم عن طريق الإنقلاب العسكري و التواطؤ اليساري و إغراءات الحرب الباردة..عندما نفهم ذلك نقدر أن نعرف قيمة الزمن المهدور الذي وفره الملك الراحل عندما مهد للتناوب السياسي و الإنفراج الحقوقي و الإجتماعي و تحديث البنيات التحتية التي ابتدأت صيغتها التجريبية في مناطق الشمال…
عندما نقسو على حركة عشرين فبراير في النقد لا نقصد أن تخلو الساحة من النضال، لكن نتحسر على الموعد الذي ضاع نحو تغيير حقيقي و استدراك لزمن التخلف..سجل يا تاريخ : واحسرتاه على حرية المعتقد….لكن يمكن تحويل هذه التجربة الموؤودة الى مكسب جديد يكون عبارة عن خلاصة تجريبية ليس على منهاج النبوة لعبد السلام ياسين و لكن على منهاج الواقعية التجريبية التي وضعت أمام جيل الأباء التمثيل الحي على الفشل المطلق للإديولوجيا، و أمام الأجيال الشابة النتيجة التجريبية على طبيعة و تقاطعات السلطة في المغرب و الثابت و المتحول فيها..
حركة عشرين فبراير مكنت المجتمع من التعرف عن قرب على ملكيته و تجدد الثقة في مؤسسات الدولة المركزية، و إذا لم تستطع أيها المتتبع رؤية كل هاته التحولات فاعلم أن إديولوجيتك منعتك ( ههههه ) ..لكن في نفس الوقت المعطيات التجريبية التي أتاحها الحراك الشباب سيتحول في المستقبل الى تحديات جديدة تطرح على الجميع تحديات جديدة ،لأن الأجيال المقبلة ستكون أقل تسامحا مع الأخطاء و التجاوزات و الانكسارات..
السؤال الأن هو : هل يمكن أن نحول اللحظة السياسية الراهنة بكل مخاضها و تشكالاتها الى منعطف جديد لصياغة مشروع مجتمعي حقيقي يجمع جميع الفرقاء السياسييين بدون استثناء، بما في ذلك المؤسسة الملكية ؟ هل يمكن استدراك الهفوات التي حرفت حركة عشرين فبراير عندما أقصت المؤسسة الملكية من فعل التغيير و جعلتها هدفا للتغيير ؟
هل يمكن صياغة حد أدنى حقيقي استراتيجي يعطي للجميع إمكانية التواجد و المساهمة في التنمية الشاملة ؟ بمعنى أخر ما هي المراجعات التي على الأطراف تقديمها لإلغاء كل أشكال العرقلة و الإحتباس من داخل الفعل السياسي و ما يعكسه من احتباس اقتصادي و اجتماعي ..المراجعات هنا لا تعني تلك التصريحات التكتيكية أو المبادلات السياسية – السياسية، و لكن أقصد الإلغاء النهائي للتقاطب السلبي و فتح مرحلة جديدة من الحوار على صعيد كل المستويات …
للملكية أعذارها المقبولة لأنها هي التي تحكم و هي المسؤولة عن إدارة المجتمع و هي من تدير أخطاء الجميع.. لكن ليس لباقي الفرقاء العذر لأنهم لا يحكمون ، و في كثير من الأحيان يفضلون المطالبات الطوباوية على تحمل مسؤولية التواجد السياسي، و يصبحون مع الزمن جزءا من البنية الفاسدة و سببا من أسباب فسادها..
المراجعات الدينية تقتضي من التنظيمات الدينية أن تقول لأتباعها و للناس أن المسافة بين الدين و الدنيا واجبة شرعا حفاظا على طهرانية المطلق و نسبية في التدرج الى الكمال، و أن الاستبداد يمكن أن يكون دينيا ..مسؤولية هاته التنظيمات التي اختارت الإشتغال وفق منطلقات دينية أن تحدد الحد الأدنى المشترك الذي يحصن المجتمع من انزلاقات القداسة عندما تشرعن الوصاية على الحرية و التعدد و الإختلاف..هل تستطيع هذه التنظيمات الدينية أن تضمن حق الكفر باعتباره حق من حقوق الإنسان و تعبير عن حريته ؟.. قال عمر بن الخطاب يوما في مراجعة جميلة : ” كيف استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ” و هي مقولة لو قالها في عهد الرسول لصارت آية يصلي بها الناس، لكنها تبقى مقولة تعبر على قدرة الإبداع على مجاراة الوحي عندما نقرر تجاوز القداسة…..
04-09-2012


Read Previous

اللجنة المؤقتة لفريق اتحاد تمارة تتهم الكاتب العام للعمالة باستعمال الشطط في السلطة و”المؤامرة”

Read Next

صحف الأربعاء: اعتقال لص بثوب منقبة حاول السطو على وكالة بنكية والملك يُبعد شبح أزمة بين المغرب وإسبانيا