حين يشيخ الجسد ويبقى الحب شابًا

بقلم: سعيد ودغيري حسني

أمي يا روح الحياة

أمي يا أنشودة الصبح إذا تنفس الكون عطرًا ودعاءً
يا نبعًا لا يجف ولا يملّ العطاء
يا دفءَ الليالي حين تعصف الريح ويبرد الرجاء
أنت النور إن أظلمت الطرقات وأنت الحنان إذا عزّ الوفاء

كبرت يا أمي وكبر قلبي بحبك وكبر حزني حين رأيت الوجع في عينيك
كنت أظن أن الزمن يأخذ منا لكنه لا يمسّك
كنت أظن أن المرض يضعف الجسد لكنه لا يقوى عليك
لكنك صرتِ تصمتين حيث كنتِ تضحكين
وتتعبين حيث كنتِ لا تعرفين للراحة بابًا

يا أمي
كم تمنت يداي لو ترفع عنك الألم
كم تمنت روحي لو تهبك عمرًا آخر
لكنها حكمة الأيام حين تسلب منا الأمان
وحكمة الأقدار حين تجعلنا نراكم تضعفون
وما ضعفتم
بل صرتم أقوى
وأجمل

اليوم، ونحن نحتفل بعيد المرأة الثامن من مارس، أتذكر كل امرأة عظيمة، كل أم حملت الحب في قلبها، والصبر في عينيها، والتضحية في يديها
أتذكر أمي، وأمهاتكم جميعًا، أولئك اللواتي أنرن البيوت بضحكاتهن وحملن على عاتقهن هموم الحياة ولم يشتكين

العمر رحلة تأخذنا بين محطات الحياة، بين القوة والضعف، بين الشباب والشيخوخة
نبدأها بقلوب مفعمة بالحياة بأجساد لا تعرف التعب بأحلام لا سقف لها
لكن الزمن، كعادته، يسير دون أن يلتفت، يترك آثاره على وجوهنا يثقل خطواتنا، لكنه لا يستطيع أن يمسّ جوهر أرواحنا

حين كان الجسد قويًا، لم نكن نشعر بثقله، كنا نمضي بلا خوف ننام بلا ألم، نستيقظ بلهفة
لكن حين تشتد وطأة الأيام، يصبح الألم رفيقًا دائمًا تصبح الخطوات مدروسة وتصبح أبسط الحركات تحديًا

ليس المرض مجرد وجع يسكن الجسد، بل هو رسالة خفية تذكّرنا بأننا لسنا خالدين
بأنه كما كانت لنا أيام مشرقة فهناك أيام يتخللها التعب والضعف
لكنه أيضًا اختبار للحب، للوفاء للصبر

في وجوه أمهاتنا، نرى كل شيء
نرى تاريخًا من العطاء، نرى قلوبًا لم تتوقف عن النبض بمحبتنا، نرى وجعًا يحاولن إخفاءه حتى لا نقلق
وكم يحزننا أن نرى من كانوا الملجأ يحتاجون اليوم لمن يحنو عليهم
لكنهم لا يزالون نور البيت، وروح المكان، وسرّ الحياة التي تسري فينا

في عيد المرأة، لا تكفي الكلمات لوصف الأمهات، لا تكفي القصائد لإنصاف قلوبهن، ولا تكفي الأعياد لردّ جميلهن
إنهن العيد الحقيقي، والضياء الذي لا يخبو، والعمر الذي لا يشيخ أبدًا

اللهم احفظ أمي، وأمهات المسلمين جميعًا
اللهم امنحهم الصحة والعافية وأطل في أعمارهم على طاعتك
اللهم اجعل مرضهم كفارة، وألمهم رفعًا في الدرجات
اللهم كما كانوا لنا حضنًا وملجأً في صغرنا، كن لهم عونًا وسندًا في شيخوختهم
ولا ترينا فيهم بأسًا يبكينا، وامنحهم من رحمتك ما يطفئ عنهم وجع الأيام

يا أمي وكل الأمهات اللاتي يكبر الجسد فيهن لكن الحب يبقى شابًا
أنتم الحكاية التي لا تنتهي، والنور الذي لا يخبو، والعمر الذي لا يشيخ أبدًا.

Read Previous

الناظور: حجز طن و27 كيلوغراما من مخدر الشيرا وتوقيف 6 أشخاص من بينهم سيدتان

Read Next

الرئيس دونالد ترامب يعين ‘ديوك بوكان الثالث’ سفيرا للولايات المتحدة بالمغرب