(و م ع)
ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم الاثنين بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.
وألقى درس اليوم بين يدي جلالة الملك السيد محمد بنكيران، عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش، متناولا بالدرس والتحليل موضوع: “صيانة حديث الرسول الأمين برعاية أمير المؤمنين” انطلاقا من الحديث الشريف: “نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه فإنه رب حامل فقه غير فقيه”.
واستهل المحاضر درسه بالتذكير بأن الأمة المغربية شهدت هذا العام، وشهد الناس حيثما بلغهم الإعلام، أن جلالة الملك أمر العلماء بإحياء برنامج أطلق عليه جلالته اسم “الدروس الحديثية لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم”، وهو برنامج دشنه جلالة الملك بعنايته وأعطى التوجيه بما يجب أن يكون عليه، حتى يؤدي مهمته في توعية الناس بعظمة الحديث وحرمته، وواجب الأمة في حمايته من الجهل والكذب والاستعمال الفاسد والمتطرف.
وأبرز المحاضر أن جلالة الملك أولى الناس بحماية هذا الحمى، وقد صارت جهات كثيرة تحاول العبث به واقتحام صرحه المتين، مشيرا إلى بعض موجبات الغيرة الدينية التي صدرت عنها هذه المبادرة الملكية، سواء فيما يتعلق بمكانة الحديث في دين الأمة، أو في ما يتعلق بالمآلات التاريخية التي أفضى إليها التعامل معه، أو بما يضطلع به البرنامج الذي ابتكره جلالة الملك من أجل تدارك التقويم بما ينبغي في هذا الموضوع من الرد إلى الجادة بإسداء النفع العميم.
وشدد السيد محمد بنكيران على أن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لها في الدين قدر كبير، ولها عند المسلمين ما يوازي هذا القدر من الإجلال والتعظيم، وذلك اعتبارا لما لها من الخصائص المميزة والوظائف الجليلة، إذ هي معبر الوحي الواصل لأهل الأرض بالسماء، ومفتاح الاطلاع على مكنوناته وأسراره الغراء، مستشهدا بقول حسان بن عطية: “كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن”.
كما أنها، يضيف المحاضر، مصدر المعرفة الحقيقية والشاملة، بما تكشف عنه من الغيوب والحقائق والعلوم، وبما تفتح من الآفاق الواسعة للمعارف والفهوم، وهي الطريق الدالة على الله، والموصلة إليه، والهادية إلى ما أراده ودعا إليه، من المقاصد المستقيمة الكريمة، والمعاني السوية الحكيمة، كما يدل على ذلك قوله عز من قائل: “وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله”.
وهي، أيضا، المبينة والمفسرة للقرآن الكريم، على نحو جعل آياته ومجموع بصائره واقعا حيا يراه الناس ويعيشونه، من خلال الأقوال والأفعال والأحوال النبوية، فكانت بذلك المصدر الذي لا غناء للناس عنه، والممدة بالأحكام والتشريعات المطابقة لمراد الله، مصداقا لقوله تعالى: “وأن احكم بينهم بما أراك الله”، وقوله سبحانه: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”.
وأضاف المحاضر أن السنة النبوية هي كذلك مجمع الفضائل المزكية النفوس، والمرقية للأرواح، في معارج الطهر والصفاء، بما هي مجلى الصفات الإلهية والأسماء، وهي المعيار والمرجع للأخلاق والآداب المرضية، مصداقا لقوله تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وهي باب الدخول إلى الحضرة الربانية.
وباتباعها، يؤكد عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش، يتحقق القرب والحظوة من رب العالمين، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما يدخل إلى ربه من حيث أدخله الله إليه، وهو بعض معاني قوله تعالى: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”.
واستشهد في هذا الصدد بقول الإمام الجنيد رحمه الله: “الطرق كلها مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتبعين سنته وطريقته، فإن طرق الخير كلها مفتوحة عليه، كما قال تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة”.
وأوضح المحاضر أنه بهذا المقدار نظر إلى السنة عامة علماء الأمة وأعلامها، الذين ما منهم أحد إلا وهو آخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متبع لهديه وبيانه، كل في مجاله وميدانه، وفي ضوء كل هذا نفهم لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على نشر سنته، ويحض على رواية أحاديثه وآثاره، فيقول: “بلغوا عني ولو آية”، ويقول: “ليبلغ الشاهد منكم الغائب”.
ولفت السيد بنكيران إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام بين كيفية هذا التبليغ وصورته وشروطه، فدعا إلى الاحتياط التام فيه، والالتزام الدقيق بالألفاظ المسموعة منه، من غير تصرف ولا اجتهاد، فقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه: “نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه، فإنه رب حامل فقه غير فقيه”، مشيرا إلى أن الحديث صحيح مشهور، له مخارج كثيرة متعددة عن جماعة من الصحابة، منهم عمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن مسعود وأنس وابن عباس وأبو هريرة، وكثير غيرهم.
وأوضح أن قوله “نضر الله امرءا” هو دعاء منه صلى الله عليه وسلم بحسن الوجه والحال في الدنيا، والمجازاة بنعيم الجنة ونضارة أهلها في الآخرة، وهو دال على مقدار العناية بالسنة وعظم أجر المشتغل بروايتها، وأن قوله: “سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه” هو القيد الذي علق به الدعاء، وهو الغاية في الضبط والتحري، “كما سمعه من غير تبديل ولا تحريف، ولا حتى أدنى تصرف يمكن أن يغير المعنى أو يوجهه توجيها ما بناء على فهم معين من الناقل الذي قد يكون فاقدا للأهلية الفقهية، أو محصلا لمستوى أقل من المبلغ، فيحول بينه وبين المعنى الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأضاف أنه بغض النظر عما ذهب إليه بعض العلماء اعتمادا على هذا الحديث من منعهم الرواية بالمعنى، واختلاف آرائهم في ذلك، مع اتفاقهم وإجماعهم على عدم جوازها للجاهل بمعنى الكلام، وموقع الخطاب، ودلالات الألفاظ، فإن هذا الحديث هو في حقيقته تنبيه صريح منه عليه الصلاة والسلام على ضرورة ابتناء الرواية على العلم والتبصر، وعلى وجوب التفقه فيها، وتوجيه إلى التعامل مع الحديث على أساس النظر في دلالاته، واستنباط معانيه، وتدبر مقاصده ومراميه.
ولأجل ذلك، يوضح السيد بنكيران، أقام المسلمون أمر روايتها على مبدأي الضبط والتفقه، وشددوا في ذلك بما لا مزيد عليه، وكان هذا منهم استجابة بالدرجة الأولى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الرواية، ثم تفاعلا مع وضعها الذي اعترته ظروف وملابسات جعلتها عرضة للكذب والافتراء في زمن مبكر نسبيا، وهو معطى لا يخلو من إيجابيات وفوائد، لأنه كان سببا في انتباه العلماء للأمر في تلك المرحلة التي كان جيل الصحابة فيها لا يزال على قيد الحياة، وهم الحلقة الرابطة بين النبي صلى الله عليه وسلم والأمة.
وأشار عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش إلى أنه تولدت عن هذا الانتباه هبة عظيمة بدافع حماية بيضة السنة النبوية من عبث العابثين، وانتحال المبطلين، أسفرت عن جملة من الإجراءات التي تميزت بأمور وسمات منهجية دقيقة، منها: السرعة في الفعل، والاستباق المانع من استفحال الآثار المخلة، واختيار الإجراءات المساوقة لخطورة الظاهرة والملائمة لمستواها، واستجماع كل العناصر الضرورية والضامنة لتحقيق المقاصد والغايات المرجوة. فكان أول ما بدأوا به هو شد الرحلة إلى كل مصر أو بلد به رواة الحديث وحفاظه من الصحابة وغيرهم، وذلك لتحصيل ما في الصدور والسطور من السنن النبوية الشريفة.
وتم، يضيف السيد بنكيران، وضع الديوان الشامل للسنة النبوية على يد ابن شهاب الزهري أحد شيوخ الإمام مالك، في ظل الاستعانة بكل الحفاظ والعلماء في سائر الأمصار الإسلامية، وبدأت المطالبة بالإسناد على نحو إلزامي لضمان الاتصال بالرواة المؤهلين للتحديث، ممن يقع الاطمئنان لروايتهم ويغلب على الظن صدقهم وإتقانهم.
وبناء على هذا الإسناد، وقع تتبع الناقلين للحديث، وتحديد شروط قبولهم من حيث العدالة والضبط، وبيان أوصافهم ومراتبهم في الرواية، وإجراء أحكام الجرح والتعديل عليهم، بشكل هو غاية في الدقة والصرامة، حتى آل الأمر في النهاية إلى نشوء علم متكامل الأركان هو علم النقد الحديثي، المشتمل على مستويات عميقة جدا في البحث، لم يسبق لها نظير في مجاله، حسبما شهد بذلك المتخصصون والدارسون.
وظل التفقه، يورد المحاضر، معلما رئيسا من معالم الانتساب للمجال، كما كان في الصدر الأول، على اعتبار أن السنة مكون من مكونات الصناعة الفقهية، ومرتكز من مرتكزاتها، وذلك حذرا من أن يقع الاستقلال بالحديث دون الفقه.
وذكر في هذا السياق بأن أشهر من عرف بالتشدد في هذا الأمر في الأزمنة الأولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يمنع من الإكثار من الرواية والتحديث اتقاء لمحاذير تتعلق بالتفقه بالدرجة الأولى، بحيث كان يخشى أن تصل للناس أحاديث يصعب عليهم فهمها فيحملونها على غير وجهها، أو يأخذون بظاهر لفظها في غياب ما يسدد فهمها من أحاديث أخرى.
ولفت إلى أن المرأة انخرطت بدورها في هذا الشرف، وكان لها حضور كبير، وإسهام غني ووفير، فكانت راوية حافظة، ومتفقهة وناقدة، وكان حضورها على مستوى كل الطبقات بدءا من جيل الصحابيات، ومرورا بالأجيال المتعاقبة، ووصولا إلى رواية المصنفات المشهورة والأصول المعتمدة.
وذكر المحاضر بأن المدونات الحديثة سجلت لنا سننا وأحاديث لا تعرف إلا من رواية النساء، فكانت بذلك مرجعا في موضوعها ومادتها، مشيرا إلى أنه للمرأة خاصية استثنائية في هذا المجال لم توجد في الرجال، وهي أن هؤلاء وجد فيهم المتهم والضعيف والردود، وليس في الروايات إلا الصادقات المقبولات كما قال الإمام الذهبي رحمه الله “وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها”.
وأكد أن المحدثين تمثلوا في اشتغالهم بالسنة أعلى درجات التحقق بالأخلاق المؤهلة للانتساب لهذا المجال الشريف، وكان الواحد منهم كما قال سفيان الثوري يتعبد عشرين سنة، ثم يكتب الحديث، مبرزا أن علاقاتهم بهذا المصدر العظيم تقوم على أساس الإجلال الكبير الذي يكنونه لصاحبها عليه الصلاة والسلام.
وأشار المحاضر إلى أن المحدثين نالوا بذلك قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير من لدن العلماء، وكانت لهم على سائر التخصصات سبق وحظوة بينها الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه “شرف أصحاب الحديث” وفيه يذكر عن الشافعي أنه كان يقول “إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حيا”.
وشدد على أن هذه الصورة الرائعة للوضع الذي كانت عليه السنة الشريفة قد أعقبتها متغيرات كثيرة، اقتضت كثيرا من التطوير في إجراءات خدمتها مما تقدم ذكره، بحيث صار الاشتغال بالحديث عند أهل السنة والجماعة يسفر في كل مرحلة عن مستويات أعمق وأوسع وأنضج في البحث والتنقيد، مع الالتزام التام بالموضوعية وقواعد المنهج.
فكان أن انتقل، يضيف المحاضر، العلماء من التدوين إلى الشمولي إلى التصنيف بحسب الموضوع، الذي كان الإمام مالك أحد رواده الكبار بكتابه الموطأ الجامع بين صرامة النقد الإسنادي ودقيق النظر الفقهي الاستنباطي المؤسس على قواعد فقه أهل المدينة المنورة.
وأشار إلى أن المصنفات تكاثرت بعد ذلك في شتى الربوع آنذاك على أساس ما وقع من تأصيل وبلورة للإسناد ومزيد من ترسيخ وتقعيد لقضاياه وفروعه، ليسفر الأمر في النهاية عن مؤلفات هي أشبه بالموسوعات الضخمة الموضوعة بأبعاد استراتيجية تروم كفاية الأمة في قضايا السنة لآماد طويلة، مضيفا أن الدليل على ذلك ما صرح به الإمام مسلم رحمه الله في حق كتابه الصحيح حيث قال “لو أن أهل الإسلام يكتبون الحديث مائتي عام لكان مدارهم على هذا المسند”.
وقال المحاضر إن كتب الموطأ وصحيحي البخاري ومسلم تمثل قمة الإبداع الذي تفتقت عنه عبقرية المحدثين، وهي تصنف في المراتب الأولى من مجموع كتب الحديث اعتبارا لرسوخ أصحابها وعلو كعبهم في هذا الميدان، ثم بسبب اتفاق كلمة النقاد على تصحيح ما تضمنته من الحديث.
وأبرز أن تاريخ السنة المشرفة ليدل على مدى اليقظة التي تحلى بها العلماء في دفاعهم عن هذا المصدر العظيم بالشكل المناسب والصارم، حيث كانوا يقفون بالمرصاد أمام أي تحد يقف في وجهها وأي شكل من أشكال العبث بها أو المس بقدسيتها.
وأوضح المحاضر أنه يمكن حصر هذه التحديات، من ذلك الوقت وإلى الآن، في ثلاث ظواهر رئيسة تتعلق الأولى بظاهرة الكذب والوضع والتزوير التي كانت تقف وراءها تيارات مختلفة منها الزنادقة وأعداء والدين، ومنها أهل الأهواء والنحل الخارجون عن مذهب أهل السنة والجماعة، ومنها تيار المذاهب العقدية وتيار المذاهب الفقهية وتيار التعصب للجنس أو القبيلة أو اللون، ثم سائر أصحاب الأغراض والمصالح الدنيوية والوعاظ والقصاص، مضيفا أن الروافض، وهم فرقة كانت ترفض خلافة أبي بكر وعمر، يعدون أكثر هذه التيارات كذبا في الحديث، معتبرا أن أهم الأسباب لذلك انخراط كثير من أعداء الدين في صفوفهم.
وسجل المحاضر أنه كان لكل تيار من هذه التيارات دوافع يتراوح مجملها بين الديني والمذهبي والسياسي والاجتماعي والتجاري، مبرزا، في هذا الصدد، أن الآثار والنتائج كانت خطيرة جدا، حيث وجدت أحاديث موضوعة في مختلف الموضوعات، احتاجت ولا تزال إلى نقد علمي صحيح وعميق.
وأشار إلى أن الظاهرة الثانية تتعلق بظاهرة التشكيك في السنة والتشويش على مرتبتها في الدين، وذلك من خلال الهجوم على رموز الحديث النبوي ورواته عند أهل السنة والجماعة من الصحابة خاصة كأبي هريرة وعائشة، والانتقاص من مصادر السنة الصحيحة المشهورة، ولا سيما الجامع الصحيح للإمام البخاري، والطعن في تاريخها ومناهج تدوينها، وادعاء وجود الخلل في طرائق توثيقها، مبرزا أن هذه الظاهرة لم تعرف التوقف على مر التاريخ وإلى اليوم، تبنتها في القديم تيارات مختلفة أشهرها المعتزلة، وتبنتها في العصر الحالي تيارات أخرى بعضها ينحدر من الروافض، ثم بعض التيارات التي ترفع شعار القرآنيين.
ولهذه الظاهرة، يقول المحاضر، من الآثار السيئة على السنة ما لا يقل عن السابقة، فهي تزعزع ثقة المسلمين في الحديث الشريف، وتفتح الباب على مصراعيه للمتجرئين على حرمتها، والخروج عن الجماعة فيما تعتقده من قدسيتها.
أما الظاهرة الثالثة، فقد أبرز الأستاذ بنكيران أنها تتعلق بالتضخيم والتحنيط واعتماد الإسناد وحده وإهمال النقد المتعلق بالمضمون، بحيث إذا صح السند وجب العمل به مطلقا، من غير مقابلة بالقرآن الكريم ولا ببقية الأحاديث أو بالقواعد الشرعية المقررة، أو بالحس أو بالتاريخ أو بغير ذلك من الأمور التي نبه عليها العلماء.
وقال، في هذا الصدد، إن ذلك ظهر على يد بعض التيارات التي حرصت على أن يكون أمر التصحيح والتضعيف في يد شخص واحد، بحيث يكون ما حكم به هو المعتمد، حتى ولو كان مخالفا لما قاله كبار الأئمة، مع أن الحكم على الأحاديث كان في جميع المراحل جماعيا، وكانت العادة أن يعرض المؤلف كتابه على عدد من شيوخ العلم وأئمته فلا يخرجه إلا بعد أن يجيزوه.
وقد كان لهذه الظاهرة، حسب المحاضر، نتائج وخيمة على وضعية الدين وأفكار المسلمين، منها التبخيس للقواعد والأصول التي سار عليها الأئمة في التعامل مع السنة، والاحتجاج بأحاديث ليس عليها العمل، وإيقاع الناس في اللبس والاضطراب جراء التعامل مع الحديث بغير فقه، وانتزاع المرجعية النقدية وما يتصل بها من المرجعية العقدية والفقهية من أصحابها الحقيقيين، ثم وجود نزعات تحزبية تفرق الأمة وتزعزع الجماعة.
ومما زاد من استفحال السلبيات المتعلقة بهذه النتائج وجودها في زمن الأنترنيت، حيث وقع استغلال العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي لبث الأفكار المنحرفة وزعزعة ثوابت الأمة بخصوص السنة النبوية.
وأمام هذا الوضع المختل، أثنى المحاضر على المشروع العلمي الرائد الذي أعطى انطلاقته أمير المؤمنين في 2 نونبر 2018، والمتمثل في برنامج “الدروس الحديثية لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم”، الذي أوكل جلالة الملك تأطيره إلى ثلة من العلماء والمتخصصين، وأمر بأن يبث في قناة (السادسة) وعلى أمواج إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وعلى شبكة الأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، معتبرا أن المشروع يعد سبقا في هذا المجال يواجه التحديات الراهنة بالأساليب اللائقة.
ورأى المحاضر أن أمير المؤمنين، بهذا البرنامج، يكون قد أحلل السنة محلها المعهود عنده من الإجلال والاحترام والتعظيم وبنى معالم صحوة جديدة في موضوع السنة. ومن شأن ذلك أن يرسم للعلماء في المملكة خارطة طريق للتعامل مع السنة النبوية. وخلص إلى القول إن هذا المشروع ليس إلا جزءا من نسق فكري متكامل يطبع مسار جلالته في حماية الدين وصون ثوابته ومرتكزاته.
وفي ختام هذا الدرس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأساتذة صاحب السمو إبراهيم سولو غمبري، أمير إمارات الورن ولاية كوارا بنيجيريا، ومدني منتقى طل، ممثل أسرة طل التجانية بالسنغال، ومحمد الحلو أحمد النور، المفتي العام لجمهورية تشاد، وحسن بن محمد سفر، أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز (السعودية)، وفريد بن يعقوب المفتاح، وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف (البحرين)، ورافع بن عاشور، أستاذ بجامعة قرطاج (تونس)، وعبد الهادي أحمد القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الصوفي الأعلى (مصر)، وعزيز حسو فيتش، رئيس المشيخة الإسلامية لكرواتيا، وحسن سيدينجا سعيد تشيزينغا، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بتنزانيا، ومصطفى إبراهيم، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بغانا، وأحمد سانغو، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ببوركينافاسو، وما تنزو لزولا، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بأنغولا.