أبرز وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، الأولوية التي يمنحها المغرب لتطوير التعاون جنوب-جنوب من أجل انبثاق إفريقيا مندمجة ومزدهرة.
وكتب السيد بوريطة، في مقال تحليلي نشره الإصدار النصف شهري “ميترو- يو إن” الموجه للشخصيات الفاعلة بالأمم المتحدة في نيويورك، أن “أهمية التعاون جنوب–جنوب في انبثاق إفريقيا مندمجة ومزدهرة ومؤهلة سيتحقق بتكاتف جهود شبابها وقادتها ومؤسساتها. والمغرب يسعى إلى دعم هذه الجهود من خلال المشاطرة وبعيدا عن أي تباه”.
واقتبس الوزير مقتطفا من الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمام المشاركين في أشغال القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الافريقي بأديس أبابا والذي يؤش إلى هذا الالتزام الثابت للمغرب بتحقيق التنمية المستدامة للقارة، حيث أكد جلالة الملك أن “المملكة المغربية تسعى أن تكون الريادة للقارة الإفريقية”.
وذكر السيد بوريطة في نص المقال، الذي حمل عنوان “التعاون البيني الإفريقي: من أجل إفريقيا مندمجة ومزدهرة وقادرة”، أنه “وفقا لهذا المنظور، عملنا في السابق ونواصل العمل منذ عودتنا إلى الاتحاد الإفريقي”، مبرزا أنه منذ سنة 2000، وقع المغرب نحو ألف اتفاقية مع البلدان الإفريقية، في مختلف مجالات التعاون في حين تم ما بين سنتي 1956 و1999 توقيع 515 اتفاقية.
وأضاف “يجب أن يرتبط هذا التعاون بتوجهاتنا المشتركة وأن يتجسد من خلال تنسيق أهدافنا”، معتبرا أن “التعاون المعمق بين الدول الإفريقية من جهة، ومع بلدان الجنوب التي تواجه تحديات مماثلة، من جهة أخرى، هو وحده الذي يكفل لهذه البلدان مقومات الصمود وتحقيق النماء”.
واستعرض السيد بوريطة في مقاله التحليلي المسار التاريخي للتعاون جنوب-جنوب، “الذي سبق في الواقع إنشاء مكتب الأمم المتحدة للتعاون بين بلدان الجنوب سنة 1978″، مشيرا في هذا السياق الى أنه منذ مؤتمر باندونغ لسنة 1955، تعهدت بلدان الجنوب، التي وحدتها مطبات التاريخ ووعيها بمصيرها المشترك، بالعمل سوية للدفاع عن مصالحها وبناء عالم أكثر عدلا.
وقال “إن السياق السياسي آنذاك، والذي تميز ببروز حركات التحرر الوطني، حدد طبيعة هذا التعاون”، موضحا أن المخاوف السياسية لم تمنع قط من تطوير تبادلات أخرى.
وأكد السيد بوريطة أنه بسقوط جدار برلين وانفتاح الأسواق العالمية، هيمنت التجارة على السياسة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن المبادلات التجارية بين بلدان الجنوب ارتفعت، كما ارتقت بعض البلدان، لاسيما الصين والهند، إلى مصاف القوى الاقتصادية الكبرى بفضل موارد مناطق أخرى في الجنوب، على الخصوص.
وأبرز أنه ضمن هذا المنظور، سجلت التجارة البينية الإفريقية تطورا على الرغم من الحواجز التجارية العديدة، حيث انتقل حجم الصادرات الإفريقية الموجهة إلى بلدان إفريقية أخرى من 10 في المائة سنة 1995 إلى 17 في المائة خلال سنة 2017.
وسجل الوزير، بهذا الخصوص، أن هذا الرقم، وإن كان لا يشمل التجارة غير المهيكلة، يظل غير كاف.
وشدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي على أن إفريقيا، ووعيا منها بهذا الواقع وبأهمية التبادل التجاري والبشري في حفظ السلام والأمن وفي بروز وعي إفريقي، تعمل على إقامة أهم منطقة للتجارة الحرة في العالم، والتي تم توقيع اتفاقية بشأنها في مارس 2018.
واعتبر أن هذا المشروع سيفضي، بمجرد تفعيله، إلى إزالة الحواجز الجمركية لـ90 في المائة من السلع والخدمات التي يتم تبادلها داخل القارة، وتحرير الخدمات ورفع الحواجز غير الجمركية.
وأضاف أنه “من الأهمية بمكان أن ترى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية النور، لأنه علاوة على المزايا المذكورة سلفا، فإن السياق الدولي الراهن يحتم على إفريقيا إعادة النظر في استراتيجيتها التجارية”.
وسجل السيد بوريطة أن العصر الذهبي للعولمة يدنو من نهايته، “فالتوترات الجيوسياسية الدولية، والزيادة النسبية في تكاليف النقل، وتزايد المعايير التنظيمية المناهضة للاستثمار الأجنبي، والانتقال إلى اقتصاد الخدمات وتراجع الطلب الصيني، كلها مؤشرات تشي ببروز مايسميه أديج باكاس بتباطؤ العولمة “سلوبالزايشن”.
واعتبر السيد بوريطة أنه بخلاف العولمة، فإن مرحلة “تباطؤ العولمة (سلوبالزايشن)” ستشهد تراجعا للمبادلات التجارية الدولية والعودة إلى نوع من الركود الاقتصادي.
وخلص الوزير الى أن إفريقيا تواجه تحديات جديدة، حيث يتعين توفير فرص عمل كافية لاستيعاب الطلب المتزايد، والحد من الفقر الذي يذكي عدم الاستقرار في العديد من المناطق، ومواجهة انعكاسات الاحتباس الحراري، لاسيما على النشاط الزراعي.
وتمثل “ميترو يو إن” منبرا للشخصيات البارزة للتعبير عن آرائها ووجهات نظرها بشأن عدد من القضايا التي يعالجها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.