استفاقت إيطاليا صباح الاثنين 05 مارس على مشهد سياسي جديد أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد 04 مارس بعد صعود قوى سياسية جديدة على حساب أحزاب تقليدية، ما يؤشر على توجهات جديدة للسياسة الداخلية والخارجية الإيطالية.
فقد تمكنت حركة خمس نجوم الشعبوية بقيادة لويجي دي مايو ورابطة الشمال (اليمين المتطرف) التي يتزعمها ماثيو سالفيني من تحقيق اختراق تاريخي في انتخابات أمس. ووفق نتائج غير نهائية كشفت عنها وسائل الإعلام الإيطالية في وقت متأخر من ليلة أمس فإن الحركة التي يقودها الشاب “المتمرد على النظام السياسي” ، حصلت على 32 في المائة من الأصوات ، ما يجعل منها القوة السياسية الأولى في البلاد. وفي غمرة الانتصار ، بهذا الفوز ، أعلن عضو بارز في حركة خمس نجوم أليساندرو دي باتيستا أنه بعد النتائج التي حققتها حملة انتخابية موجهة ضد الفساد و”الطبقة السياسية الإيطالية “سيتعين على الجميع القدوم و التحدث إلينا”.
أما تحالف اليمين المؤلف من حزب “فورزا إيطاليا” بزعامة رئيس الوزراء السابق سلفيو برلسكوني وحزبي اليمين المتطرف رابطة الشمال برئاسة ماثيو سالفيني و(إخوة إيطاليا) برئاسة جورجيا ميلونى، فقد حصل على 37 في المائة من الأصوات، حسب التقديرات الأولية لقناة “راي نيوز” العمومية بعد فرز الأصوات في ثلثي مراكز الاقتراع.
وفي تعليقها على هذا الاختراق غير المسبوق للشعبويين واليمين المتطرف ، اعتبرت صحيفة (لاريبو بليكا) في مقال بعنوان “انتخابات 2018 : ليلة انتصار دي مايو و سالفيني ” أن الفوز التاريخي لليمين المتطرف وحركة خمس نجوم سيدشن لفصل جديد في السياسات الأمنية والاقتصادية لإيطاليا.
وأشارت إلى أن رابطة الشمال هي الحزب الوحيد التي صرح رئيسها علنا في برنامجه الانتخابي عن الاستعداد للخروج من الاتحاد الأوروبي في حال رفضت بروكسل إعادة التفاوض في غضون العامين المقبلين بشأن قوانينها المتعلقة بالضرائب والهجرة”.
واعتبرت صحيفة (كوريري ديلا سيرا) في مقال عنونته ب “الانتخابات الإيطالية..صعوبات تشكيل الحكومة والمخاطر المحتملة” أن صعود اليمين المتطرف و حركة خمس نجوم سيدخل البلاد في مأزق سياسي قد يستمر لشهور ، غير أن السيناريو “المقلق” حسب مراقبين، هو تحالف الشعبويين و اليمين المتطرف وانعكاسات ذلك على المنطقة الأوروبية بالنظر لمواقفهما من سياسات بروكسيل.
وأضافت ان تشكيل ائتلاف حكومي يجمع اليمين المتطرف و الشعبويين قد يحدث “رجة” في المفوضية الأوروبية و “يخلق اضطرابات في الأسواق المالية” .
وبالفعل فقد هبط الأورو اليوم الاثنين مسجلا أدنى مستوى في ستة أشهر مقابل الين ، بعد أن كشفت نتائج الانتخابات الإيطالية عن فوز فاق التوقعات للأحزاب المتشككة في الأورو في حين لم يحقق أي من التكتلات الحزبية الكبرى أغلبية واضحة.
والآن بعدما عاقب الناخبون الساخطون على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد الأحزاب التقليدية بالتصويت بكثافة لليمين المتطرف باتت إيطاليا تواجه فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي .
وبالنسبة لصحيفة (لاستامبا) فإن الحزب الديمقراطي الذي مني بأقسى هزيمة في تاريخه السياسي لم تكن متوقعة بحصوله على حوالي 20 في المائة من الأصوات ، أي أقل مما حققه في الانتخابات الأوروبية عام 2014 بمعدل النصف ليجد نفسه “في مقبرة النظام السياسي”. و اعتبرت اليومية أن الأسلم في ظل الوضع الراهن هو الشروع في تشكيل ائتلاف موسع يشمل حتى أحزاب اليسار لتجنب خطر عدم الاستقرار، الذي قد يعصف بالمستقبل السياسي والاقتصادي لإيطاليا.
وأشارت إلى الدور البارز الذي يمكن أن يضطلع به رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا في تحصين البلاد من “فوضى سياسية” لا يمكن التنبؤ بنتائجها من خلال منح “تفويض” لمن يعتبره قادرا على تحقيق الأغلبية في البرلمان.
وفي حال تأكد فوز تحالف اليمين من حيث عدد المقاعد، سيكون من حق سالفيني الذي وعد بطرد مئات آلاف من المهاجرين “غير القانونيين”، المطالبة برئاسة الحكومة.
و في أول تصريح له صباح اليوم ، بعد الإعلان عن النتائج الجزئية ، أكد زعيم اليمين المتطرف الايطالي سالفيني أنه “لديه الحق وواجب” تشكيل الحكومة.
سالفيني بنى انتصاره ليصبح لأول مرة القوة السياسية المؤثرة والمحددة لمصير إيطاليا، حسب مراقبين ، على غضب الإيطاليين من عجز الأحزاب التقليدية في الخروج من الأزمة الاقتصادية وخفض معدلات الفقر ، وفتح المجال لاستقبال مئات آلاف المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد في السنوات الماضية.
وفي ظل ضبايبة المشهد السياسي الجديد التي أفرزتها انتخابات امس الأحد واحتمال الدخول في مسلسل طويل وشاق لتشكيل حكومة جديدة، يبقى مصير ملف الهجرة و العلاقات مع الاتحاد الأوروبي مفتوحا على أسوء الاحتمالات ويطرح العديد من التساؤلات ، لاسيما و أن إيطاليا هي ثالث أكبر اقتصاد وأكثر الدول الاتحاد استقبالا للمهاجرين واللاجئين.