في ظل التطورات التكنولوجية والتقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبحت البشرية مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالأجهزة الكهربائية والالكترونية.
وفي كل مرة نتخلص فيها من المتقادمة منها، نكون قد ساهمنا، ولو بقدر بسيط، في تزايد النفايات الالكترونية، التي يفرز منها المغرب كل سنة ما يقارب 100 كيلوطن.
وتفيد آخر الأرقام الصادرة عن مبادرة “حل مشاكل النفايات الالكترونية” (ستيب)، التي تقدم إحصائيات حول نسبة النفايات الالكترونية في دول العالم بشراكة مع الأمم المتحدة، بأن المواطن المغربي ينتج سنويا ما مجموعه 99.94 كيلوطن من النفايات الالكترونية، أي بمعدل 3.7 كلغ للفرد الواحد.
وفي الوقت الذي اتجهت فيه دول غربية عديدة، منذ عقود، إلى إعادة تدوير هذه النفايات الالكترونية للحد من آثارها البيئية من جهة، وإطالة أمد حياة الأجهزة الالكترونية من جهة ثانية، ما يزال المغرب في الأشواط الأولى من المشوار.
المخلفات الالكترونية ستشكل خطرا على الصحة
وفي هذا الصدد، أكد منصف بنحدوش، المدير المكلف بإفريقيا، بالشركة الفرنسية “غرين سيستمز”، أن “المغرب يفقد كميات هائلة من المواد الأولية المتواجدة بهذا النوع من النفايات”، مبرزا أنه على المدى البعيد “سنشهد حتما مشاكل حقيقية، لأن المخلفات الالكترونية ستشكل خطرا على الصحة والموارد الطبيعية كالتربة والمياه خاصة في ظل غياب شروط السلامة والوقاية الضروريتين أثناء التعامل معها”.
وأضاف مدير الشركة الوحيدة المتخصصة في هذا المجال بالمغرب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “لقد تواصلنا مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة بخصوص الاهتمام بهذا المجال، وأخبرتنا بأن هناك تفكيرا في سن قوانين لتنظيمه”، معربا عن استعداد الشركة التي يمثلها للنهوض رفقة الوزارة والمهنيين بهذا القطاع.
وتعمل شركة “غرين سيستمز” المغرب على رسكلة الحواسيب والأجهزة الصغيرة (شاشات الحواسيب، الهواتف النقالة والبطاريات الجافة …)، كما تقوم بتفكيك الخوادم ووحدات التخزين العملاقة التي انتهت صلاحيتها، حيث يتم الاحتفاظ ببعض المواد المعدنية التي ما تزال قابلة للاستعمال من قبيل الزجاج والرصاص والزئبق والفولاذ وحتى الذهب.
وأوضح السيد بنحدوش أنه “عندما تتقادم الخوادم الضخمة لدى شركة معينة، ويتم تعويضها بوحدات تخزين أخرى، لا يعرفون ماذا يفعلون بالقديمة”، مضيفا أن “عدم القيام برسكلة هذه الأجهزة، أمر يكلفهم الكثير من المال، لأنها تحجز مساحة 400 متر مربع أو أكثر في مقراتهم، والتي بإمكانهم استغلالها في أشياء أخرى”.
تعزيز إدماج الشباب
وأشار إلى أن “عملية تدوير هذه الأجهزة تستلزم تدمير المعطيات التي تحتوي عليها تلك الخوادم وقواعد بيانات الحواسيب (…) حتى يتأكد الزبناء أن المعطيات الموجودة في هذه الأجهزة لا يمكن استعمالها مرة أخرى”.
ومن ناحية أخرى، يعرف المغرب عددا من المبادرات الجادة في مجال إعادة تدوير النفايات الالكترونية على شاكلة المشروع الشبابي “غرين شيب”، الذي عرض برواق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالمنطقة الخضراء بقرية مؤتمر (كوب22).
ويتوخى هذا المشروع التخفيف من الفاتورة الرقمية بالمغرب، وتعزيز إدماج الشباب في وضعية اجتماعية صعبة، من خلال منح حياة جديدة للأجهزة الالكترونية المستعملة، في احترام تام للمجال البيئي.
ومواكبة لعمليتي تدبير النفايات والتخلص منها، صدر سنة 2006 القانون رقم 28.00 الذي حددت فصوله 9 أنواع من النفايات دون الإشارة إلى النفايات الالكترونية، الأمر الذي يقتضي التفكير الجاد في إعداد قانون ينظم هذا المجال من طرف الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة، في ظل غياب مبادرات تشريعية على أرض الواقع.
كما أن المقاولات الكبرى في المغرب مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى السير في هذا المنحى وإدخال التدوير في استراتيجيتها الاقتصادية، للتقليص من نفقاتها والتقليل من التلوث البيئي.