استقبلتنا المدرِّسة ريغينا تايشمان في رواق السفلي للمدرسة ثم أسرعت بإدخالنا قاعة التدريس. إنها حصة التربية الجنسية للفصل “6 أ”. وموضوع حصة اليوم هو كيف ولماذا يتم استعمال وسائل منع الحمل. وبينما كانت المدرِّسة تخرج موزة وعازلا مطاطيا من حقيبتها لتضعهما على طاولتها، كان الأطفال يحدقون إليها بشغف كبير. ما إن شرعت السيدة تايشمان في شرح الدرس حتى أخذ ثلة من الأطفال يتهامسون بصوت خافت، فيما احمرت وجوه طالبات أخريات أخذن يتبادلن النظر فيما بينهم في حيرة من أمرهم، وطلبة آخرون أخذوا يضحكون بأصوات عالية. “إنه تصرف عادي وسليم. لقد تعرف الأطفال بتصرفهم هذا على معلومة جديدة ألا وهي أن بإمكان المرء التحكم في حياته الجنسية للوقاية من الأمراض وعدم الإنجاب”.
بهذه العبارات علقت المدرِّسة على ردود فعل الأطفال. وترى المدرِّسة أن تصرف طلابها الجدد من السوريين لا يختلف عن أندادهم في الفصل من الطلبة الآخرين، وتعلق في هذا السياق قائلة: “لقد كان الأطفال السوريون بدورهم وعلى غرار الطلاب الآخرين يوجهون أسئلة ويقدمون توضيحات، لقد كانوا متعطشين لمعرفة الحقيقة التي لم يحصلوا عليها في بيوتهم”. تعد السيدة تايشمان من المدرِّسات اللواتي سهرن على تنظيم الاجتماعات بين طاقم التعليم والأولياء من اللاجئين السوريين. وفي هذا الإطار سعت المدرِّسة إلى التعريف بالمادة التربوية التي لقيت في الوهلة الأولى صدى سلبيا لدى بعض الأولياء. وحول تجربتها مع الأولياء في هذا الموضوع الحساس قالت لنا المدرِّسة:” لقد تمكنا من خلال الجلسات المكثفة بالتعاون مع المرشد الاجتماعي الذي يعود إلى الثقافة العربية السورية من إقناع المتشككين في البعد التربوي للحصة. لقد وضحنا لهم أننا نقدم فضاء حرا للأطفال فيه يحصلون على أجوبة لطالما علقت بأذهانهم بدون مجيب”.
التربية الجنسية بين الرفض والقبول تعيش عائلة أنس النوري في حي شباندوا منذ وصولها إلى العاصمة الألمانية برلين في صيف 2015 وتتألف من أربعة أطفال التحقوا جميعا بإحدى المدارس القريبة من سكنهم الجديد. وإن كان رب العائلة السيد انس سعيدا بالتحاق أبنائه وبناته بالمدرسة، إلا أن مادة التربية الجنسية تؤرق مضجعه وتعد بالنسبة له صدمة ثقافية. ويقول رب العائلة في هذا الصدد:”لم أفهم الغاية من تقديم مثل هذه الدروس، أرى في إجبارية المادة أمرا مبالغا فيه فهو لا يتناسب مع أعمار الطلاب ولا يتطابق مع ثقافتنا”. ويرى السيد أنس في دروس التربية الجنسية التي تقدم في المدرسة الألمانية غير أخلاقية تجعل الطفل فضوليا للجنس الآخر وقد تكون حافزا لهم على ممارسة الجنس في هذا العمر المبكر. وكان الأب يعبر عن مخاوفه منفعلا. دور المرشد الاجتماعي لكن السيد فيصل باكير المرشد الاجتماعي، السوري الأصل، والذي يعمل في المدرسة منذ سنوات عدة يحاول جاهداً إقناع الأولياء الرافضين للمادة التربوية.
وحول الطرق المستعملة لتغلب على مثل هذه الإشكاليات يقول لنا السيد باكير:”خصصنا في مطلع السنة الدراسية الحالية تنظيم جلسات توضيحية وتثقيفية لتحسيس الأولياء بمشاركة المدرسين، قمنا من خلالها بالتعريف بالمادة والغاية من تدريسها مؤكدين على أن المدرسة لا تحفزهم على ممارسة الجنس”. إثراء ثقافي ومعرفي السيد عماد الطيان له هو الآخر ابن في 12 من عمره، ملتحق أيضا بالفصل السادس من التعليم الابتدائي. لا يرى هذا الأب مانعا من تدريس المادة التربوية بل يرحب بها:”هذه المادة هامة في هذه المرحلة العمرية. يجب على الطفل أن يتعرف على جسمه وعلى جسم الجنس الآخر، ففي هذه المرحلة يشهد جسم الطفل نموا بيولوجيا سريعا وبالتالي تتبلور لديه أسئلة لا يجد لها جوابا لدى العائلة”. كان السيد عماد يعمل مهندسا معماريا في مدينة حلب التي قدم منها فارا من ويلات الحرب.
لقد فوجئ هو الآخر كالعديد من أبناء وطنه بضرورة دراسة هذه المادة لأطفاله الصغار، إلا أنه اليوم أضحى من أنصار مادة التربية الجنسية وبات يروج لها لدى أصدقائه من الآباء والأمهات كما قال: “أقوم في كل مناسبة، خصوصا هنا في المدرسة، بتوضيح الجانب التثقيفي والمعرفي للمادة، كما أؤكد على أن محتوى الدروس ليست منافية لثقافتنا أو لديننا بل ستعود بالنفع على نمو أطفالنا”. وفي الوقت الذي يرى بعض الأولياء في الحصة التدريسية خطرا على أطفالهم ومنافية لثقافتهم الإسلامية، يرى السيد باكير أن تخوف الأولياء له أسباب أخرى ويقول في هذا السياق:” هؤلاء الأولياء ليسوا متخوفين من المادة، كمادة تدريسية، بقدر ما هم متخوفون من انصهار أبنائهم في المجتمع الألماني وتقبل العقلية الألمانية التي يرفضونها رفضا قاطعا. إنها ثقافة تختلف كليا عن ثقافتهم التقليدية المحافظة. إنهم يرون “خطر” المساواة بين الجنسين وحرية المرأة. هذا ما يخيفهم”.