اختار المخرج المصري الراحل محمد خان طريقاً مغايرا عن تيار ساد السينما العربية خلال فترة ذاع خلالها صيته، واستطاع أن يقدم نفسه كمخرج بارع للأفلام الواقعية وسط سيل مما بات يعرف بـ”سينما المقاولات”.
ورحل خان في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء إثر أزمة صحية مفاجئة تاركاً خلفه أفلاما قليلة في عددها، لكنها اتسمت بالعمق في الرؤية والمضمون والأفكار.
وتمرد خان، الذي رحل عن عمر يناهز 73 عاما، على نموذج “الأفلام الرخيصة” في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وخرج بكاميرته للتجول في أنحاء القاهرة وحاراتها مستهدفا خصوصا البسطاء.
وظهرت بصمته في عمله الأول “ضربة شمس” عام 1978، واستمر أسلوبه في تسليط الضوء على تطلعات البسطاء حتى فيلمه “فتاة المصنع” الذي قدمه قبل نحو عامين.
وصور “فتاة المصنع” حيّ “الوكالة” الشعبي بوسط القاهرة إذ ثبّت خان كاميرته أسفل جسر وصوّر جميع المشاهد بواقعية من داخل أزقّة الحيّ، حتى أن جميع الوجوه التي ظهرت في الفيلم بخلاف أبطال العمل كانت حقيقية.
وتميّزت فلسفة خان السينمائية بالحرية في تقديم الشخصيات، التي لم يجعل منها أبطالا وزعماء يقومون بوضع حلول للواقع.
ولد خان بمصر في 26 أكتوبر عام 1942 لأب باكستاني وأمّ مصرية ودرس السينما في إنكلترا. وأثقلت دراسة خان على مدار سبعة أعوام في بريطانيا خلال ستينات القرن العشرين خبرته في “سينما الواقع”.
وقدم خان نحو 24 فيلما روائيا طويلا وكان آخر أفلامه “قبل زحمة الصيف” بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني وأحمد داود.
ورغم تقديمه أفلاما جسدت الواقع السياسي والاجتماعي المصري على مدى عقود وتكريم الدولة له عام 2001 عن فيلم “أيام السادات” إلا أنه لم يحصل على الجنسية المصرية سوى في عام 2014.
وظلّ خان يقدم اتجاهين متوازيين في غالبية أعماله، وإن كانا متضادين أحيانا لكنه حافظ على اتّساقهما مع الواقع الحياتي.
وخلال تركيزه على الطبقات الفقيرة في مصر، حاول إخراج تطلعاتهم من واقع الحياة اليومية إلى بحثهم عن الفرص كما في فيلمي “مستر كاراتيه” و”الحرّيف”.
وتميز خان عن المخرج الراحل عاطف الطيب، منافسه في “سينما الواقع”، بتركيزه على تحويل المرأة إلى عنصر أساسي تجول من خلاله بين قضايا المجتمع.
وحصل خان على أكثر من 30 جائزة محلية وعربية وعالمية، أهمها جائزة الدولة التقديرية عن فيلم “طائر على الطريق”، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1981، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، وجائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، وشهادة تقديرية في مهرجان برلين الدولي 1983، وجائزة “التانيت الفضي”.