ندوة تمويل المساواة: تخطيط وميزانية سياسات المساواة رافعة لفعالية “المساواة”
بقلم: د.حبيب عنون، باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
يتجلى من خلال تحليل اقتصادي وسياسي لما اعتبرته رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين حلولا للأزمة الاقتصادية التي تتعقب الاقتصاد المغربي أنه، من الناحية السياسية، ثمة تجاوزا وتجاهلا إذ لم يكن إقبارا وعرقلة لاستمرارية وركود الحوار الاجتماعي بعدم تفعيل ما تم الاتفاق بشأنه. كما أن التوجهات المقترحة لا تعد أن تكون إلا استمرارية للسياسة الاقتصادية التي سلكتها حكومة عباس الفاسي والتي يمكن تلخيص سلبياتها في الحراك الشعبي الذي شهده المغرب نتيجة تهميش البعد الاجتماعي من ضمن انشغالاتها.
أما من الناحية الاقتصادية، فهذه الاقتراحات تعتبر تأويلا غير موفق لبعض مضامين النظرية الاقتصادية الكينيزية التي ابتكرت في ظرفية اقتصادية وسياسية غير الظرفية المعاشة حاليا في المغرب. علاوة على أن هذا المنحى يكرس الاستمرارية في استيراد وصفات اقتصادية من الخارج وبالتالي يزكي ضعف الفكر الاقتصادي لرابطة الاقتصاديين الاستقلاليين على ابتكار ما يناسب نمو البلاد وما يمكنها من تجاوز أزماتها وفقا لامكانيات البلاد وخصوصياتها.
أولا، بخصوص تجميد الأجور
لا أدري ما المبتغى من طرح مقترح تجميد الأجور في وقت تعرف فيه القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين تقاعصا إثر الارتفاع غير المسبوق للمواد الاستهلاكية ؟ ثم عن اية أجور يتحدث رئيس الرابطة، هل الأجور الاسمية أم الأجور الحقيقية؟ فإذا كان الأمر يتعلق بالأجور الإسمية، فالقدرة الشرائية للمواطن المغربي ستزداد انهيارا بفعل غياب رؤيا واضحة لسياسة الحكومة بخصوص الأسعار والأجور. وإذا كان الأمر يتعلق بتجميد الأجور الحقيقية فهذا حل غير ذي واقعية لعدم قدرة الحكومة على ضبط نسبة ارتفاع الأسعار من جهة وعدم قدرتها على تفعيل توصيات مجلس المنافسة من جهة أخرى. هذا مع العلم أنه لم يعد المجال متاحا لاستغفال المواطن بما تم التعبير عنه في الثلاثينيات ب “l’illusion monétaire ” لكون المواطن بات متيقنا أنه ما يضاف للأجر الاسمي، سرعان ما يتم “ابتلاعه” من جراء الزيادة في الأسعار. كان مقترحكم قد يكتسي نوعا من المصداقية لو كان موجها صوب الالحاح على ضرورة التسريع في إعادة صياغة منظومة الأجور في اتجاه يمكن من بروز طبقة متوسطة شاسعة تشكل محرك الاقتصاد الوطني. طبقة متوسطة ليست فقط مستهلكة بل حتى مستثمرة. هذا ما إذا تمت صياغتها على أسس علمية، غير ظرفية سياوسوية، لتكون ذات بعد يتناغم والكلفة المعاشية المتوسطة للمواطن المغربي مستهدفة في أبعادها التقليص من الهوة بين الأجور العليا (المدعومة بالعلاوات والسكن المجاني والمصونة بالسر المهني…) والأجور الدنيا التي بدون اللجوء إلى الاقتراض لا يتمكن صاحبها من تلبية حاجيات أسرته الشهرية.
كيف تطالبون بتجميد الأجور وهي من يرهن تنشيط العرض؟ ربما أن مبتغى رابطتكم هو تهميش الطلب الخاص (الشعبي) مقابل الاعتماد على الطلب العمومي والمقاولات الكبرى المصدرة قصد جلب العملة؟ ربما قد ينسجم هذا وبعض جوانب ما دعت إليه النظرية الكينيزية، إلا أن الظرفية المغربية لن تتقبل تهميش الطلب الشعبي من خلال تخفيض أجرته. إن مقترحكم هذا ينسجم تماما مع النظرية الماركسية التي أكدت على أن إنهاك الطلب مقابل تشجيع العرض إنما هو أحد تناقضات نمط الانتاج الراسمالي وبالتالي فلن يترجم إلا إلى تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب. فتجميد الأجور في الظرفية الراهنة لن ينجم عنه إلا عواقب عكسية قد تكتسي خطورة اجتماعية، أما عقلنتها فهو السبيل الايجابي اقتصاديا واجتماعيا. وقد يعتبر دفاع رابطتكم الاستقلالية على تجميد الأجور ذو بعد سياسي واجتماعي يتمثل في إبقاء الحال على ما هو عليه بل قد يكون أسوء بالنسبة لشريحة كبيرة من المواطنين. كما أن الأرقام الاستدلالية التي تعللون بها ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن المغربي باعتمادكم على تضاعف نسبة اقتناء السيارات فهذا المؤشر يبق مبهما وعاما لكونه لا يميز بين ما اقتناه المواطن المغربي وعن أية شريحة مجتمعية تتحدثون وكيفية اقتناها (غالبا عبر الاقتراض) وبين ما اقتنه الدولة لفائدته مختلف مصالحها الادارية. ومما لا شك فيه أن رابطتكم لو اعتمدت مؤشر اقتناء المنازل أو مؤشر الادخار لكانت خلاصاتكم عكس ما خلصت إليه مقترحاتكم.
لن يزيد مقترحكم الهادف إلى تخفيض الأجور إلا في ارتفاع مديونية الطبقة الضعيفة اتجاه مؤسسات القروض الخاصة والتحاق شريحة من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة مقابل الزيادة في هامش الأرباح التي تعلن عنه مؤسسات القروض. ليبق هذا التوجه الاقتصادي توجه الراسمالية الخالية من كل بعد اجتماعي أو كما يصفها البعض بالرأسمالية “المتوحشة”. ويتأكد هذا البعد في مقترحكم في عدم استجابة مؤسسات القروض وخاصة منها البنكية لتوصية والي بنك المغرب حين دعاها للتوجه نحو تخفيض أسعار الفائدة.
ترى هل حزبكم بات هو الآخر يؤمن ب “عفا الله عما سلف” حتى بخصوص ادعاء الوزير العلمي (الاستقلالي) السابق بكون منظومة الأجور قد أعدت ولم يتبق سوى الاعلان عن مضامينها، كما “عفا الله عما سلف” بخصوص التزام بتفعيل مقتضيات الحوار الاجتماعي من خلال افتعال تشردم فعاليات الحوار وبالتالي تجميد هذا الأخير إلى حين موسمي. فالتحول من اقتصاد الطلب إلى اقتصاد العرض لا يجب أن يتم تمريره على حساب الأجور المنهكة للمواطنين ذلك أن التحول في طبيعة الاقتصاد المغربي إنما هي مسألة تحولات بنيوية تعلو على مجرد إجراء التخفيض أو الزيادة في الأجور.
ثانيا، بخصوص الاستمرارية في إنجاز المشاريع البنيوية
مرة أخرى تزكون من خلال مقترحكم الداعي إلى ضرورة استمرارية الدولة في تمويل إنجاز المشاريع الكبرى تمسككم، عوجا، بمبادئ النظرية الكينيزية التي تم إبداعها في الثلاثينيات من طرف كينز في ظرفية اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية مغايرة على ما هي عليه الظرفية التي يجتازها الاقتصاد الوطني المغربي حاليا. كما أنه لا جدوى باعتبار هذا التوجه بمقترح لرابطتكم لكونه مسار ألفه المواطن المغربي من خلال المشاريع التي يرعاها عاهل البلاد.
إلا أنكم كرابطة للاقتصاديين الاستقلاليين ربما قد تجاهلتم عدة عوامل أساسية لكونها باتت ضرورية لمواكبة نجاح المشاريع الكبرى من خلال انعكاساتها على نمو الاقتصاد الوطني علاوة على تجاهلهم لاقتراح السبل الكفيلة لجعل نتائج هذه المشاريع ذات منفعة مجتمعية تعود بالنفع على مختلف الشرائح الاجتماعية وليست حكرا على فئة معينة.
1، لقد اختصرت رابطتكم المشاريع الكبرى في ثلاث محاور: السياحة وصناعة السيارات وترحيل الخدمات. فأما السياحة، فهي قطاع من الصعب اعتماده كقاطرة للاقتصاد الوطني لكون العناصر المتحكمة فيه هي عناصر ليست باقتصادية محضة وبالتالي فالقيمة المضافة المنتظرة منها تبقى غير متحكم فيها، علاوة على التنافسية الكبيرة التي يعرفها هذا القطاع من ناحية الكلفة والجودة والتنوع في الخدمات. هذا مع العلم أنه ثمة غياب لنوع من التوازن بين المنتوج الموجه للمستهلك الاجنبي والمنتوج الموجه للمستهلك الداخلي. فهذا التوازن هو جد ضروري اقتصاديا واجتماعيا وقد يمكن من تنشيط قطاع السياحة في حالة ركودها جراء أزمة خارجية. أما بخصوص قطاع صناعة السيارات، فهذا ورش هو الآخر خاضع لتنافسية دولية كبيرة ويكتفي الاقتصاد المغربي حاليا باعداد البنيات التحتية المستقطبة للاستثمارات في هذا المجال في انتظار قدرته على تقوية هذا القطاع على سبيل الدول الأسيوية التي استطاعت أن تبدع منتوجا متنوعا خاصا بها ينافس منتوج الدول الغربية التي كان لها السبق في احتكار هذا القطاع. فالانتقال من مرحلة الاستقطاب نحو مرحلة التموقع بين الدول المصدرة للسيارات أمر يستلزم من بين ما يستلزمه إعادة النظر في منظومة تكوين وتاهيل المواطن المغربي على اساس القدرة على الابداع والاختراع في مناخ تسوده حرية التفكير عوض جيل استظهار ما أمر بحفظه دون فهم ودون هدف.
وكما هو معلوم فمجال الاستثمار في كل الدول الرأسمالية لا يستند فقط على دور القطاع العمومي بل حتى على دور القطاع الخاص. وفي هذا الصدد، وفي هذه الظرفية أعتقد أنه وجب قلب أدوار الفاعلين المستثمرين في المغرب عكس ما تدعيه النظرية الكينيزية وذلك بجعل القطاع الخاص يأخذ بادرة النهوض بما هو اقتصادي ليترك للقطاع العمومي الامكانية لتغطية العجز البين في مجال اجتماعي جد متشعب وبات يشكل اهم وأبرز تحدي للحكومة الحالية. أما قطاع الخدمات، فجل الدول المتقدمة واعية ومنذ زمن أن هذا القطاع هو قطاع المستقبل وبامتياز وبالتالي فالدول المتمكنة من إبداع التكنلوجيا الملازمة لهذا المجال سيكون منتوجها ذات كلفة منخفضة وهي من ستتحكم في سوق الخدمات. هذا مع العلم، أنه في الدول المتقدمة، نجد أن القطاع الخاص هو من يتحمل على عاتقه النهوض بهذا القطاع والعمل في إطار المنافسة الحادة على ابداع واختراع التكنلوجيا، في حين يقتصر القطاع العام كما تمت الاشارة إليه سابقا على تكوين جيل مؤهل للإبتكار والاختراع. فحقيقة الاقتصاد الوطني أن كل الفاعلين ينتظرون ما سيجود به القطاع العمومي بما فيهم القطاع الخاص الذي يفتقد إلى اتخاذ المبادرة وبعد الرؤيا والمجازفة مكتفيا باقتناء براءات الاختراعات الاجنبية واحتكارها وطنيا وتقديمها للمستهلك بثمن يفوق ثمنها الأصلي بكثير.
2- إذا كانت مضامين النظرية الكينزية الليبرالية هي من استلهمتكم لتقديم مقترحاتكم، فهذه النظرية قد أكدت أن دور الدولة لا يجب أن يكون إلا ظرفيا وليس بنيويا كما نستنتج من مقترحاتكم والتي تطالب من الدولة، في ظرفية الأزمة وفي ظرفية الركود الاجتماعي وضرورة تجنب احتقانه، أن تجازف بما اقترضته لتمويل مشاريع تبقى انعكاساتها مرهونة بعدة عوامل وحتى إن كانت إيجابية فلن تكون إلا على المدى المتوسط أو البعيد. وكما أشارت إليه رابطتكم، دون شرح ولا تبيان، على كون مردودية هذه المشاريع قد تحقق إذا ما توفرت الظروف الملائمة لذلك. هل تعتقدون في ظل الظرفية الحالية أنه بإمكان الحكومة المجازفة بتمويل قطاعات يخضع نجاحها لتوافر ظروف غير متحكم فيها ؟ ربما قد تجاهلت رابطتكم أنه ما تم اقتراضه هو بهدف تمويل قطاعات يشهد مانحوها أنها موجهة للحفاظ على الاستثناء المغربي أي موجهة لتمويل القطاعات الاجتماعية والتي يعتبرها القطاع الخاص دون نفع مادي متناسيا أن الرقي بالقطاعات الاجتماعية هي الأرضية الضامنة للسلم الاجتماعي. أو ربما، لكونكم متبنون لنهج رأسمالي يفتقد للبعد الاجتماعي، ترغبون في تحويل جزء مما تم اقتراضه لتمويل ما هو اقتصادي على حساب ما هو اجتماعي ؟ مع العلم أن من بين ما يمكن استنتاجه من خلال خطاب عاهل البلاد بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب كون السبيل الأمثل لضمان اقتصاد متوازن يكمن في ضرورة التفوق في التوفيق بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي.
ثالثا : بخصوص تخفيض سعر الدرهم
هذا مقترح ربما مجانب للصواب خصوصا إذا كان يهم مجرد تحفيز الصادرات في محاولة لجلب العملة الصعبة. وهنا يطرح سؤالين: ما جدوى هذا الاقتراح في ظرفية باتت فيها الدول الغربية المألوفة، من ناحية وجهة صادرات المغرب، معتمدة لسياسة تقشفية مقتصرة في سياستها الاقتصادية على استهلاك ما ينتج داخليا أو داخل سوقها الأوروبية متجنبة استيراد ما تعتبره “عبثا” استهلاكيا ؟ ما جدوى هذا المقترح إذا كانت دبلوماسيتنا الاقتصادية لم تتخط بعد التعامل مع الأسواق التقليدية ؟ ما وجب التفكير فيه هو إعادة النظر في القاعدة التي يعتمدها المغرب لتقييم سعر عملته أي ضرورة إعادة النظر في سلة العملات التي ترتبط بتحولاتها العملة المغربية. كما بات من الضروري إعادة النظر في منظومة المؤسسات البنكية في المغرب من ناحية عددها وفتح هذا المجال لبروز مؤسسات بنكية أخرى ليتميز المغرب بمنظومة بنكية متعددة المؤسسات تشتغل وفق تنافسية فعلية الأمر الذي سيساعد على التنوع في الخدمات وخصوصا على تخفيض سعر الفائدة الذي سيكون إيجابيا بالنسبة سواء للمستهلك أو للمستثمر. وللتذكير فوالي بنك المغرب لم يقترح تخفيض سعر الدرهم لكونه مقتنع بكون ضبط وتدبير سعر الفائدة، وهو هنا كينيزيا اكثر من رابطتكم، كفيل بتوجيه الاقتصاد الوطني نحو النمو من خلال إنعاش الاستثمارات دون تأثير بليغ على نسبة التضخم. وهذا ما هو معمول به في الأنظمة النقدية والمالية المتقدمة إذ تتسم بكثرة المؤسسات البنكية والشبه البنكية مشتغلة في إطار من التنافسية تحت وصاية ومراقبة البنوك المركزية التي تتدخل حفاظا على التوازنات المالية في سوق المال من خلال تقويم سعر الفائدة. أما المنظومة البنكية في المغرب فهي تشتغل في جو احتكاري مريح إذ استطاعات أن تصد حتى توجيهات البنك المركزي الذي يعتبر أعلى سلطة لتدبير القطاع النقدي والمالي. وهذا منافي تماما لروح الليبرالية التي تدافع رابطتكم عنها.
كل الدول المتقدمة بما فيها الدول الأسيوية لم تكن ببالغة لمستواها الحالي باعتمادها على الماديات وباعتمادها على الاحتكار داخليا والتملص الضريبي وسوء تدبير المال العام وتغييب التنافسية الفعلية وتصدي فعالياتها السياسية لمؤسسات الرقابة المالية وغيرها من العبث والعشوائية في سن سياسة اقتصادية محكمة الأهداف والآليات، بل اعتمدت وجعلت من العنصر البشري أهم عنصر لإيمانها ويقينها بكونه مصدر القيمة المضافة من خلال ما يبدعه ذهنه وعمله. وعليه كان اساس رقيها هو إعداد العنصر البشري القادر على الابتكار والابداع وإيجاد الحلول لمختلف الوضعيات التي يمكن أن يمر منها اقتصاد البلد. أما مقترحاتكم فقد تجاهلت أساس رقي المجتمعات أي العنصر البشري وطنيا وجهويا من خلال سن حكومات حزبكم لسياسات تربوية وتكوينية جاعلة من المواطن المغربي “بلاعة” للمعلومة محروما من الجرأة على الإبداع والتعبير والتفكير وحتى التساءل مكتفيا، مرغما في ذلك، على الحفظ والاستظهار الممل.
لا أدري على أي أساس تولون وزنا لحزبكم داخل الحكومة الحالية لتكونوا متأكدين على قدرته على تفعيل مقترحاتكم بالرغم من هزالتها لكونها وكعادة حزبكم الذي كان ضمن الحكومات السالفة كان متبنيا ومتجاهلا للجانب الاجتماعي معتقدة أن الرقي به سيكون تلقائيا من خلال أليات السوق الضامنة، حسب المنطق الليبرالي، لتطور القطاع الاقتصادي وانعكاساته عليه. أعتقد أنكم كرابطة للإقتصاديين الاستقلاليين وجب أن يكون تفكيركم أو مقترحاتكم متناغمين والنهج الذي تم الاتفاق بشأنه مع باقي الأحزاب التي رغب حزبكم في الانضمام إليها ضمن الحكومة الحالية. إلا أن سيمة المشهد السياسي المغربي تشاء ألا يكون لأي حزب وزن خاص ومتميز دون انضمامه لأحزاب أخرى تمكنه من حصد الأغلبية لتكون هذه الأخيرة أغلبية جماعية وليست حزبية فردية.
لا يمكن استيعاب البعد الاقتصادي لمقترحاتكم الثلاثية المحاور هاته لكونها غير موضوعية ولكن بعدها السياسي يمكن استيعابه وهو لا يهدف إلا إلى الاسراع بانهيار حكومة بنكيران من خلال اضطرارها لتبني السبيل الهالك سبيل إعادة تفعيل سياسة التقويم الهيكلي. ولا غرابة في هذا الزعم لكون وزيركم في المالية يؤكد بتواجد أزمة في حين أن الوزير الأزمي يؤكد عكس ذلك مؤكدا كون الحكومة قادرة على إيجاد الحلول المناسبة. لمن المصداقية في القول إذا ؟ ربما قد يكون هذا مجرد خطاب سياسي نستنتج منه على الأقل عدم الانسجام في تصريحات وزيرين في نفس المجال وفي نفس الحكومة. وحتى لا يتيه تفكيركم في المتاهات السياسية الهاوية وجب تذكيركم بكوننا لا ندافع عن أي حزب ولكن ندافع عن وطن، فالأولويات الواقعية التي وجب نهجها تكمن في مضامين خطاب ضامن وحدة البلاد في ذكرى ثورة الملك والشعب وما سبقها من خطب إذ لا يخلو أي خطاب من خطبه إلا وتم التأكيد على ضرورة فتح المجال أمام شباب الوطن وعدم استغلاله ضحية صراعات سياسية مصلحية ضيقة.
وحتى إذا كانت ثمة بوادر أزمة، فلم لا نجعل منها فرصة أو ظرفية لمراجعة سياستنا الاقتصادية والاجتماعية من خلال استخلاص العبر ومن خلال نبذنا لسلبيات السياسات والسلوكيات التي كانت وما زالت متبعة، ومحاولة خلق حوار وطني منفتح على كل الفعاليات ذات النية الحسنة الغيورة على هذا الوطن والهادفة إلى ضمان استقراره، قصد إيجاد التوافق البناء بشان صياغة نموذج سياسة اقتصادية واجتماعبة جدية وواقعية تشكل توجيهات ملك البلاد عمودها الفقري وتشكل خصوصيات الاقتصاد الوطني وتحدياته أرضية لبلورتها اعتمادا على كفاءات مغربية مستغلين في ذلك انشغال الدول الأوروبية في البحث عن حلول لأزماتهم. لم لا نجعل من أزمة الخارج فرصة لبناء اقتصادنا وفق منظورنا واعتمادا على مؤهلاتنا ومستجيبة أولا لحاجيات الشعب المغربي ؟ لماذا سبظل المغرب كلما ألم “الزكام” بالدول الأجنبية، يصاب شعبه ب”وجع الرأس” ؟