نزرا البركة، وزير المالية في حكومة بن كيران
معركة سرقة وثائق وزارة المالية ليست معركة حزب “الطليعة” أو حزب “الإتحاد الاشتراكي”، و مع ذلك تطوع الأمين العام لحزب “الطليعة” بإبداء الرأي حول الموضوع من زاوية الحق في المعلومة وسانده في ذلك الحقوقي عبد العزيز النويضي، المستشار السابق للوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي ليعيبوا على وزارة العدل فتحها لتحقيق حول من سرق وثيقة تعويضات وزير المالية السابق والخازن العام الحالي.
ليس سرا أن معركة وثائق وزارة المالية المسربة كانت معركة حزب كبير يملك جمعية حقوقية خاصة به متخصصة في ذوي الأقمصة والبرقع، شاءت مستلزمات المعركة أن يتوارى أصحابها إلى الخلف ليأخذ الطليعي والاتحادي طليعة الجدال.
النقاش حول تعويضات أطر وموظفي وزارة المالية لم يكن بحاجة إلى وثيقة حتى يأخذ واجهة الأحداث، فالخازن العام قبل كل شيء موظف في وزارة المالية، والتعويضات التي يتقاضاها أسوة بباقي موظفي الوزارة تقاضاها قبله عشرات المسؤولين منذ الاستقلال، وحتى الحكومة الجديدة لم تمنعه منها، لأنها تعويضات مخصصة لموظفين من عينة خاصة، وربما حتى الذي سرق الوثائق ومكنها لأطراف أخرى يستفيد هو كذلك من التعويضات التي يأخذها موظفو وزارة المالية كل شهر أو ثلاثة أشهر.
ربما المقصود من التسريب النيل من رئيس حزب سياسي معارض حتى تنال بعض الأطراف من مصداقية كل الأطراف المعارضة وتستوي حيث هي إلى أبد الآبدين في أفق الاستحقاقات السياسية القادمة.
تعويضات وزراء المالية السابقين لم تكن سرا، فباستثناء وزير واحد أسبق رفض الاستفادة منها، كل الوزراء استفادوا من تعويضات استثنائية من الحسابات الخصوصية، لكن الأطراف المعلومة التي تعرف أن الوزير ليس موظفا، وأن استفادته من التعويضات تعتبر معيبة من الناحية السياسية ولكنها ليست مخالفة قانونية، أرادت أن تستمر في مسلسل النشر والتوزيع عوض التعامل معها من الناحية السياسية.
الناس تعيب على وزارة العدل أنها أمرت بفتح تحقيق حول سرقة وثائق بناءا على طلب من وزارة المالية، وانتفضت ضد استدعاء كل الموظفين المعنيين بحيازة الوثائق المسربة في إطار عملهم النظامي حتى يعرف بطل معركة الحق في المعلومة، وعوض مناقشة السرقة كسرقة تحاول الأطراف المعنية بالمعركة خلف الستار جعل المعركة معركة الحق في المعلومة الذي ضمنه الفصل 27 من الدستور وأحال على قانون تنظيمي لتفصيل شروط الولوج إلى المعلومة، وفي غياب هذا القانون يبقى وحده القانون الجنائي ساري المفعول، وسرقة الوثائق تبقى سرقة من منظور القانون سواء كان السارق مساندا للأغلبية أو للمعارضة.
وحتى الدفع بعدم دستورية قرارات التعويضات من حيث التعليل فهو مردود باعتبار أن القرارات صدرت في أبريل 2011، أي قبل المصادقة على الدستور في فاتح يوليوز في نفس السنة وإلا فإن جميع القرارات الإدارية التي صدرت من قبل، ويرى البعض أنها مخالفة للفصل السادس من الدستور تعتبر لاغية، وهو مخالفة صريحة للمبدأ القانوني حول عدم رجعية القوانين.
الإدارة العمومية ليست حزبا أو نقابة أو منظمة جماهيرية أو مجتمعا مدنيا فهي تخضع لضوابط اشتغالها الداخلية، لا يهم أن يكون فلان أو علان هو مسؤولها السياسي، ومن بين الضوابط ألا تكون الإدارة جزءا من صراع سياسي بين طرفين أو أكثر، فالصراعات السياسية يجب أن تكون أطرافها سياسية، فلو كان كشف الوثائق من طرف الوزير لكان الأمر مقبولا لأنه المسؤول عن التدبير السياسي للقطاع الذي يتحمل مسؤوليته كما حدث في وزارة التجهيز التي نشرت لوائح المأذونيات، ولم يقل أحد يومها أن النشر فيه سرقة أو تسريب وثائق لأن ناشرها لم يكن إلا المسؤول السياسي عن القطاع.
سارق الوثائق و مسربها لازال نكرة لأنه لو كان له الحق في ذلك لتحمل مسؤوليته يوم النشر وشفع ذلك بتصريح يتحمل فيه مسؤوليته، ولو كان بالفعل بطلا حقيقيا لتطوع وكشف قيمة التعويضات التي يحصل عليها هو شخصيا، وأفاض في تبيان سندها القانوني والفارق بين تعويضاته السمينة وتعويضات الخازن العام الأسمن، لكن الأمر لم يكن.
إن المعركة مخدومة تستهدف أشخاصا بعينهم داخل وزارة المالية حتى يصبح الخازن غير الخازن، ويتم التغطية على صاحب تصريح الأربعين مليون تحت الطاولة داخل البرلمان في لعبة مفضوحة حتى قبل أن تولد.
السرقة سرقة، والولوج إلى المعلومة ضمنه الدستور وينظمه القانون الذي يشرعه البرلمان، وخارج هذا الإطار لا يمكن لغير المؤسسات المسؤولة دستوريا أن تشرع لنفسها ما يجوز وما لا يجوز، حسب درجة حرارة الصراع السياسي في البلاد في البرلمان أو خارجه وبدرجة استفادة أطراف بعينها من التسريبات.
أكورا بريس