هل هي بداية القطيعة بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وبين وزارة الاتصال؟ سؤال أصبح يطرح نفسه بقوة هذه الأيام، خاصة أن رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية وجه مذكرة شديدة اللهجة إلى وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، طالبا منه ردا كتابيا بخصوص الصيغة التي من شأنها أن تٌبقي خيط التواصل بين الطرفين، والمتعلقة أساسا بطريقة تشكيل المجلس الوطني للصحافة، ومهامه واختصاصاته.
وزير الاتصال، الصحافي ومدير يومي “التجديد” السابق، يدفع في اتجاه أن يُشكل المجلس عن طريق الانتخابات، وبمراقبة قضائية، لكن نقيب الصحافيين المغاربة، الصحافي يونس مجاهد، يعتبر أنه لا إشكال في أن يُشكل المجلس الوطني للصحاف عن طريق الانتخابات، لكن دون رقابة قضائية، لأن ذلك غير معمول به لا في باقي النقابات ولا في الأحزاب، ويشدد مجاهد في الوقت نفسه أنه حان الوقت لأن ترفع وزار الاتصال والحكومة والسلطة يدها ووصايتها عن الصحافة، وتترك الأمر للمهنيين، تماشيا مع ما جاء به دستور ، 2011.
مذكرة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الموجهة إلى وزير الاتصال يوم الاثنين الماضي(7 ماي) تمحور محتواها الكامل حول مشروع “المجلس الوطني للصحافة”.
وفي قراءة للنص الكامل للمذكرة التي حصل موقع “أكورا بريس” على نسخة منها، يبدو جليا الموقف الواضح للمهنيين بخصوص ما يريد مصطفى الخلفي عمله على مستوى مشروع مهني على قدر كبير من الأهمية والخطورة في الآن نفسه. الموقف من إنشاء “المجلس الوطني للصحافة”، تشرحه فقرة دالة وردت في المذكرة :”الآن نجد أنفسنا أمام وضعية تتميز بمفارقة تتمثل في أنه في الوقت الذي ينص فيه الدستور على حق المهنيين في تنظيم أنفسهم بكيفية ديمقراطية ومستقلة، ويمنع على السلطات العمومية أن تتدخل في هذا الشأن، باستثناء “التشجيع”، أصبحنا أمام وضع يزداد فيه تدخل وتحكم وزارة الاتصال في هذا المشروع، مقابل التوجه، عمليا، إلى التشكيك في تمثيليتنا وشرعيتنا”.
ودعت المذكرة وزير الاتصال إلى تغيير منهجيته بشأن هذا الموضوع المهيكل لقطاع يهم المجتمع برمته، موضحة أن :”الاحترام الحرفي لما جاء في الدستور، ينسجم مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ومع التجارب المختلفة في موضوع مجالس وهيئات أخلاقيات المهنة، حيث أنه لا يمكن نهائيا قبول أي تدخل، من أي جهة كانت، في وضع تصور لهذا المجلس وتكوينه وصياغة ميثاق أخلاقياته…. وما سجلناه، لحد الآن، هو أنكم واصلتم مقاربة هذا الموضوع، غير آخذين بعين الاعتبار المكسب الديمقراطي الذي أقره الدستور، حيث أنكم لم تغيروا منهجية العمل واستمر نفس الأسلوب، وكأن المجلس مشروع حكومي….”.
وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية قد شكلت لجنة لمتابعة هذا ملف إنشاء “المجلس الوطني للصحافة”، من أعضاء مجلسها الوطني الفيدرالي. وعقدت في هذا الإطار، العديد من الاجتماعات التي مكنت من الوصول إلى 10 قرارات هامة:
– التأكيد على ضرورة تدعيم تمثيلية الصحافيين، حتى يكون عددهم أكثر من الفئات الأخرى داخل المجلس الذي يهتم بشؤون مهنتهم أساسا، وذلك انسجاما مع منطوق الدستور حول التنظيم الذاتي، وضمانا لتمثيلية قطاع صحافي يتميز اليوم بتنوع المجالات.
– إسناد رئاسة المجلس للمهنيين.
– ضرورة توازن الاختصاصات بإعطاء مجالات أداء عملي فعلي للمجلس في اتجاه تحديث قطاع الصحافة وتطوير حرياته، وضد السقوط في منطق ترسانة التأديب بشكل مفرط.
– عدم الخلط بين المسؤوليات والاختصاصات والحد من أي تدخل مباشر للإدارة أوزارة الاتصال في آليات المجلس وصلاحياته.
5 – الحرص على عدم تداخل صلاحيات المجلس مع الاختصاصات ذات الطبيعة القضائية.
– اقتراح المدير الإداري للمجلس من طرف المجلس نفسه، وكذلك كل الطاقم الإداري لهذه الهيئة.
– انتخاب الصحافيين أعضاء المجلس يتم من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية، دون تدخل أي جهاز إداري أو غيره.
– احترام مقاربة النوع الاجتماعي في تمثيلية المجلس بما يجسد مبدأ المناصفة الذي ألح عليه الدستور.
– إحداث لجنة للسهر و لتنمية الحريات ضمن اللجان الأربع للمجلس.
– توضيح أن الأمر يتعلق بالنزاعات المرتبطة بقواعد وأخلاقيات المهنة وليس بنزاعات الشغل.
وفي ما يلي نص مذكرة النقابة الوطنية للصحافة المغربية:
“الرباط في: 07 ماي 2012
النقابة الوطنية للصحافة المغربية
السيد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة
مصطفى الخلفي المحترم
تحية طيبة،
يشرفني أن أوجه لكم هذه المذكرة، باسم النقابة الوطنية للصحافة المغربية، من أجل مواصلة النقاش حول مشروع تأسيس “المجلس الوطني للصحافة”. وهنا نريد أن نشير إلى أن مجلسنا الوطني الفيدرالي كان قد شكل لجنة موسعة لمتابعة هذا الموضوع. وقد سبق أن وجهنا لكم رسالة تتضمن المحاور الكبرى لملاحظاتها بهذا الصدد، ومازلنا ننتظر ردكم المكتوب قبل أن نتفق على الصيغة النهائية لمشروع هذا المجلس.
وقبل أن نعود إلى القضايا الأساسية التي نرى أنها تستحق الوقوف عندها، نذكر بأن النقابة كانت سباقة، منذ بداية التسعينات، إلى الاشتغال على هذا الملف. ونرفق بهذه الرسالة ملفا حول هذا الموضوع.
غير أننا نريد أن نشير إلى مسألة هامة، هي أن “الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات المهنة وحرية التعبير” مازالت قانونيا قائمة، ونحن ملتزمون معنويا مع المنظمات المشكلة لها، ومع الشخصيات التي تم تنصيبها في الهيئة المذكورة. ولابد من معالجة هذا الأمر في صياغة وإقامة أي مشروع جديد.
وتتكون هذه الهيأة من ثمانية ممثلين عن النقابة وخمسة ممثلين عن الناشرين وممثل واحد عن المنظمات الأخرى وثلاث شخصيات. وقد قبلت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف هذه التشكيلة.
كما أننا نريد أيضا أن نوضح أن تعثر عمل هذه الهيئة لم يكن بسبب فقدانها لأي شرعية أو لعدم التزام جل أعضائها. فلقد كانت الشخصيات الأساسية التي تكونها، وأعضاء النقابة، ملتزمين باستمرار في اجتماعاتها، باستثناء ممثلي هيئة الناشرين الذين كانوا يتخلفون عن اجتماعاتها مما دفع برئيسها، الأستاذ مشيشي الإدريسي العلمي، إلى التحفظ على مواصلة العمل، في الوقت الذي لا يلتزم فيه طرف أساسي بحضور الاجتماعات وتحمل المسؤولية. وقد حاولنا، مرارا وتكرارا، معالجة هذا الوضع. لكن الأمور استمرت على هذا الحال، مما دفع إلى تجميد عملها.
ولكن نؤكد، من جديد، أن هذه الهيئة لم يتم حلها إلى حدود الساعة. بل إن الحوار الذي جرى طيلة سنتي 2006 و2007 مع الحكومة آنذاك، بخصوص المجلس، كان يعتبر أنه لا يمكن تفادي هذه الهيئة، ولابد من إيجاد حل لتداخل اختصاصاتها وصلاحياتها، مع مشروع المجلس الوطني آنذاك. ولم نقبل في ذلك الوقت التخلي عنها، لأننا نعتبر أن هذا النموذج هو الطريق الصحيح.
إن المداولات التي جرت بخصوص “المجلس الوطني للصحافة” سنة 2007، كانت قد تقدمت كثيرا بخصوص العديد من النقاط، ومن ضمنها طريقة تعيين أعضائها وصياغة ميثاقها. غير أن خلافات أخرى، ذات طبيعة سياسية، هي التي أدت إلى عرقلة إنجازها، حيث كان هناك ربط من طرف الدولة بين مشروع المجلس وإصلاح قانون الصحافة. وقد مارست علينا ضغطا قويا عبر هذه الوسيلة.
جرى ذلك، قبل اعتماد الدستور الجديد.
وهنا لابد أن نؤكد أن مرافعاتنا أمام اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور، أكدت بشكل واضح على أن هذا المجلس ينبغي أن يتم تنصيبه من طرف النقابة وفيدرالية الناشرين بشكل مباشر، وأن يأتي على صيغة المجالس الأخرى.
وإذا كان القانون التأسيسي الجديد للدولة لم يتضمن نصا مباشرا على تشكيل المجلس، غير أنه استجاب لمطلبنا عندما اعترف بحق المهنيين في تنظيم أنفسهم بشكل مستقل وديمقراطي، وحصر دور السلطات العمومية في التشجيع فقط.
ونحن نعتبر أن الاحترام الحرفي لما جاء في الدستور، ينسجم مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ومع التجارب المختلفة في موضوع مجالس وهيئات أخلاقيات المهنة، حيث أنه لا يمكن نهائيا قبول أي تدخل، من أي جهة كانت، في وضع تصور لهذا المجلس وتكوينه وصياغة ميثاق أخلاقياته.
وما سجلناه، لحد الآن، هو أنكم واصلتم مقاربة هذا الموضوع، غير آخذين بعين الاعتبار المكسب الديمقراطي الذي أقره الدستور، حيث أنكم لم تغيروا منهجية العمل واستمر نفس الأسلوب، وكأن المجلس مشروع حكومي.
ونشير هنا إلى أن وزيري الاتصال السابقين، السيدين نبيل بنعبد الله و خالد الناصري، أثناء التداول حول هذا الموضوع، لم يضغطا علينا لتنظيم انتخابات “للجسم الصحافي والمهني”. بل اعتبرا أن شرعيتنا كافية لاقتراح الأشخاص الملائمين، سواء بالنسبة لنقابتنا أو لفيدرالية الناشرين.
ونذكر أيضا أننا كنا أثناء الحوار مع الوزير الأول الأسبق، السيد إدريس جطو، نطالب بأن تقترح النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، ممثلي المجتمع المدني. و كنا اقتربنا من معالجة الإشكال.
الآن نجد أنفسنا أمام وضعية تتميز بمفارقة تتمثل في أنه في الوقت الذي ينص فيه الدستور على حق المهنيين في تنظيم أنفسهم بكيفية ديمقراطية ومستقلة، ويمنع على السلطات العمومية أن تتدخل في هذا الشأن، باستثناء “التشجيع”، أصبحنا أمام وضع يزداد فيه تدخل وتحكم وزارة الاتصال في هذا المشروع، مقابل التوجه، عمليا، الى التشكيك في تمثيليتنا وشرعيتنا.
و هنا نريد التأكيد على ما يلي:
1- إننا إذا كنا قبلنا مبدأ انتخاب ممثلي المهنيين، فذلك لأننا نريد أن نؤكد التزامنا بمبدإ الديمقراطية. لكننا لا نقبل، في أي حال من الأحوال، أن تتدخل في دعوة و تنظيم هذه الانتخابات بالنسبة للصحافيين أي جهة خارج النقابة.
2- إننا لا نعرف أية تمثيلية أخرى يمكن أن تنافسنا في هذا الشأن، ولم نطلع على أي طعن جدي و ذي مصداقية في شرعيتنا.
– إننا نرفض أن يتحول “الجسم الصحافي” الى هيأة، بطريقة مغلفة، على غرار هيأة المحامين وغيرها من الهيآت المنظمة بالقانون، لأن التنظيمات الديمقراطية لنقابات الصحافيين عبر العالم ترفض ذلك، كما نرفضه بدورنا.
– إننا نستغرب من مقترحكم الذي يطرح مسألة المراقبة القضائية لانتخابات المهنيين، مما قد يوحي بأن هناك أزمة ديمقراطية أو ثقة في نزاهتنا. وهو أمر تعلمون أنه غير قائم وغير مطروح من أي جهة مدنية أو رسمية قبلكم.
– نذكر أن الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات لا تخضع لهذه المراقبة القضائية في انتخابات ممثليها وهيآتها. ومن هذه الأحزاب من يعين وزراءه في الحكومة، كما يمنح التزكيات للمرشحين في الانتخابات البرلمانية والبلدية وغيرها، وينصب أعضاءه في المجالس الوطنية المختلفة…
– إن تنصيب العديد من المجالس الكبرى والهامة في بلدنا لم يخضع لهذه المقتضيات التي تقترحونها، علما أننا لا نعتقد أن المجالس المنصوص عليها في الدستور الجديد ستخضع لهذه المسطرة.
– إن المهنيين، وخاصة الصحافيين، باعتبارهم المعنيين الرئيسيين بأخلاقيات المهنة سيكونون، حسب مقترحكم، مجبرين على المرور عبر انتخابات بمراقبة قضائية، بينما الفئات الأخرى في المجلس لن تخضع لنفس هذه المقتضيات.
– إن المبرر الذي قدمتموه حول ضرورة تدخلكم في عملية تأسيس وتشكيل المجلس وصياغة القانون، هو أنكم ستحولون صلاحية منح البطاقة المهنية من وزارة الاتصال إلى هذه الهيأة، وكأنكم تتنازلون عن حق للحكومة، وهذا لا يتطابق مع مبادئ الديمقراطية.
وهنا نريد التذكير بأن الاعتراف بالمهنة في التجارب الديمقراطية، يكون من طرف المهنيين أنفسهم، وليس من قبل الحكومات، وأن مطلبنا منذ التسعينات، هو أن تكون لجنة البطاقة ذات طبيعة تقريرية. ومن رفض المطلب، عند القيام بتعديل 1994، على القانون الأساسي للصحافيين المهنيين، هو المرحوم إدريس البصري الذي كان يتولى وزارة الإعلام إلى جانب الداخلية.
– إن تخويل المجلس الوطني للصحافة صلاحيات التدخل المباشر أو غير المباشر في مسألة دعم الصحافة قد يحرف هذه الهيأة عن أهدافها، التي يجب أن تنحصر في الأخلاقيات أساسا، ثم منح البطاقة المهنية كأمر ثانوي. أما الصلاحيات الأخرى فإنها تظل استشارية، حسب رأينا.
– إننا نستحضر في ملاحظاتنا مختلف التجارب الناجحة والديمقراطية في العالم لمجالس وهيآت أخلاقيات الصحافة، والتي لا تقبل أي تدخل في صيرورتها، سواء في تأسيسها أو وضع قوانين لها أو تشكيلتها أو غير ذلك من التدخلات من أي جهة خارجها، وخاصة إذا كانت حكومية، لأن هذا يضرب مصداقيتها.
السيد الوزير المحترم،
إننا إذ نقدم هذه الملاحظات، فإننا نود أن نفتح حوارا جديا حولها وحول الملاحظات السابقة التي سبق أن وجهناها لكم. ونعتبر أن التوصل إلى توافقات حول مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، سيكون أفضل طريق ديمقراطي لاحترام نص الدستور والتقدم في معالجة هذه الإشكالية التي ستغني ممارسة حرية الصحافة في بلدنا.
وتقبلوا فائق التقدير
يونس مجاهد: رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية”