بقلم: يونس مجاهد
اخترت هدا العنوان لمقالي، وهو مستمد من أدبيات اليسار الجدري في المغرب، لوصف البيروقراطية النقابية في الإتحاد المغربي للشغل، وسيكون من المفيد للمؤرخين المهتمين بالأحزاب والنقابات أن يراجعوا هذه الأدبيات وخاصة نشرة “الى الأمام”، ليقفوا على عمق وعنف النقد الذي كانت المنظمة، التي تصدر هذه الجريدة السرية، توجهه للنقابة المذكورة.
وقد نهلت كثيرا من هذا التراث اليساري، لكني عشت كذلك تجارب ملموسة مع هذه النقابة، بدأت عندما كنا نتسلل، في بداية السبعينات، إلى صفوفها، في فاتح ماي، لنرفع بعض الشعارات المدينة للنظام آنذاك، لكن سرعان ما ينتبه إلينا المؤطرون، فيحاولون تسليمنا للبوليس، مما يضطرنا الى الهرب.
وفي نهاية الثمانينات، وكنت حديث العهد بالعمل الصحافي، عشت تجربة أخرى مع بيروقراطيي هذه النقابة، حيث كنت أغطي في مارس 1989، اجتماع منظمة العمل العربية، المنعقد في الرباط، وكانت نقابتا الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والإتحاد العام للشغالين بالمغرب، تقاطعانه، احتجاحا على تفضيل وزير الداخلية، إدريس البصري، للإتحاد المغربي للشغل، في تمثيلية المنظمات النقابية.
وفي اختتام الأشغال، سلمني، الكاتب العام للكنفدرالية، السيد نوبير الأموي، نسخا من جريدة “الديمقراطية العمالية”، لتوزيعها في الاجتماع، وكانت تشرح موقف المقاطعة. وبعد أن وزعت حوالي خمسين نسخة على المشاركين، وكنت أهم بالدخول للقاعة التي تحتضن الجلسة الختامية في فندق هيلتون (سابقا)، هاجمني ثلاثة من ممثلي الإتحاد المغربي للشغل، وبدؤوا في الاعتداء علي بالضرب أمام أنظار البوليس السري، الذي كان يؤطر كل تحركات المشاركين، غير أنني تمكنت من الإفلات، ودخول القاعة، وبدأت أصيح مدينا الهجوم. مما اضطر وزراء العمل العرب إلى توقيف الجلسة، وتدخل البوليس لاعتقالي، فرفضت الخروج، بحجة أنني لابد أن أنهي عملي المهني.
وأثناء الجلسة الختامية، تمت صياغة بلاغ تضامني معي، وقعه الصحافيون الحاضرون، أذكر من بينهم المرحوم بنعيسى الفاسي، الذي كان يشتغل مع BBC، وكانت مثل هذه المبادرات جريئة في
ذلك الزمان، خاصة وأن العديد من الصحافيين الموقعين لم يكونوا يشتغلون في جرائد المعارضة.
بعد الجلسة اقتادني البوليس إلى مخفر شرطة حسان، حيث قالوا لي أن الإتحاد المغربي للشغل يتهمني بتوزيع منشور لمنظمة “إلى الأمام”، فأجبتهم أنني كنت أوزع “الديمقراطية العمالية”، وهي نشرة مرخص بها. واستمر الاستنطاق لحوالي أربع ساعات، يتوقف أحيانا، ويخرج المحققون ثم يعودون.
وفي النهاية أطلق سراحي، وعلمت بعد ذلك أن الأمر تم بتدخل من أحد قياديي حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لدى البصري.
وقدمت، في اليوم الموالي، شكاية بالمعتدين، غير أن السلطة لم تحرك ساكنا، كما أنها لم تحرك ساكنا، عندما تعرض الصحافيان الطاهر الطويل وهشام العبودي، يوم 26 اكتوبر 2010، للسب والشتم ومحاولة الاعتداء، من طرف أعضاء من هذه النقابة، انتقاما منهما لممارسة حقهما النقابي، في إطار النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بالقناة الثانية. فتواطأت الإدارة كما تواطأت السلطات القضائية.
لذلك وأنا تابع ما يحدث اليوم من تصفية لأعضاء قياديين في هذه النقابة، من اليسار الجذري، على يد البيروقراطية النقابية، أستحضر فكرة ذيل الباطرونا أو المخزن، المتدلي داخل الشغيلة، كما أستحضر النقاشات التي سبقت تأسيس الكنفدرالية، والتي خلصت إلى استحالة العمل النضالي في إطار هذا الاتحاد، نظرا للهيمنة المطلقة عليه من طرف فئة مستفيدة، تدعمها آلة النظام، لأنها تؤدي له أكبر خدمة ضد أي تغيير سياسي، و دلك بعزل الطبقة العاملة عن هذا المسار النضالي، وسجنها في ما يسمى “سياسة الخبز”.
واليوم، إن اليسار الجدري، الذي يعتبر العمل داخل الشغيلة جزء رئيسي من برنامجه، ومناهضة الاستغلال الرأسمالي، شعار مقدس لديه، مدعو إلى إعادة النظر في تجربته المريرة داخل الإتحاد المغربي للشغل، وربما حان الوقت لإعادة هيكلة الحقل النقابي، على أسس وحدوية جديدة، بواقعية وبدون حنين إلى الماضي.
عن يومية “الإتحاد الإشتراكي”