الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي
بقلم: جليل طليمات- يومية الاتحاد الاشتراكي
تناولت في المقالة السابقة ثلاثة أسئلة: لماذا اختار الاتحاد الاشتراكي المعارضة؟ وأية معارضة اليوم؟
وما مصير الكتلة الديمقراطية بعد هذا الإختيار؟ .ومن بين الأسئلة التي يتم تداولها بغير قليل من «سوء النية» ، في أوساط كثيرة وفي منابر صحفية متعددة، سؤال: ماذا سيعارض الاتحاديون؟
إن هذا السؤال يصدر إما عن خلفية الاعتقاد الواهم بأن الاتحاد الاشتراكي بعد 13 سنة من المشاركة في التدبير الحكومي قد استنفد وصرف كل برنامجه ومشروعه المجتمعي، ولم يبق له »ما يدعيه « ويدعو له بعد حصيلته المتواضعة من هذه المشاركة !، وإما عن تأثر بواقع الخلط بين البرامج والمشاريع الحزبية المرتكزة على هوية فكرية وسياسية مختلفة المرجعيات، وإما عن اعتبار أن المعارضة هي دائما معارضة للنظام ولكل النسق السياسي.
لابد إذن من نقط على الحروف مرة أخرى، هذه بعض منطلقاتها العامة :
– إن المعارضة الاتحادية اليوم ستكون، بفعل المتغيرات الموضوعية لمغرب اليوم، معارضة جديدة، بخطاب جديد ورؤية جديدة أيضا لمغرب التناوب الديمقراطي الذي انطلق على قاعدة تراكمات التناوب التوافقي، وانفتحت آفاقه في سياق «الربيع العربي» مع حركة 20 فبراير، ومع خطاب 9 مارس التاريخي وإقرار دستور فاتح يوليو، ومع إفراز صناديق الاقتراع يوم 25 نونبر الماضي لخريطة سياسية وحزبية جديدة لخمس سنوات المقبلة.
– وتأسيسا على ذلك، فإن المشروع المجتمعي الاشتراكي الديمقراطي للاتحاد الاشتراكي، سيشكل رافعة هذه المعارضة الجديدة، بعد سنوات من انحسار التعبير عن نفسه بحرية، والترجمة المحدودة له في ظل حكومات ائتلافية مؤسسة على توافقات سطحية هاجسها تدبير الملفات الاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق التوازنات المطلوبة للاقتصاد، وفي المجتمع.
– إن معارضة من هذا المنطلق، ستساهم في فرز التشكيلات السياسية الحزبية على أساس مرجعياتها وهويتها الفكرية، وبالتالي في تبديد وهم عودة معارضة الأمس التي كانت معارضة لا للبرامج الحكومية والآليات التدبيرية والسياسات العمومية، بل لكل البنية السياسية، أي للنظام والأسس التي قام عليها: أسس التحكم والتسلط والأوتوقراطية.
هذه ثلاثة منطلقات جوهرية في بناء الخط السياسي للمعارضة الاتحادية اليوم، وفي ضوئها أعود لسؤال: ماذا سيعارض الاتحاديون؟ هل سيعارضون تنزيل الدستور وهم من كانوا في طليعة المطالبين به والمعبرين عن ارتياحهم للأفق الذي فتحه نحو الانتقال إلى ملكية برلمانية؟ أم سيعارضون سياسات عمومية ،هم جزء ممن يتحملون مسؤولية حصيلتها؟ إنها أسئلة غير بريئة دون شك، تطالعنا هنا وهناك، وأية إجابة عنها تفرض الأخذ بالاعتبار معطى أن الحكومة الجديدة ( في طور التشكل الآن ) ، هي أيضا حكومة جديدة ونوعية في التاريخ السياسي للحكومات المغربية: فهي أول حكومة برئيس وزراء بما لهذه التسمية من قوة دستورية وسياسية، وبقيادة حزب ذي مرجعية إسلامية، وتتمتع بصلاحيات واسعة، ومهام لم تكن تتوفر للحكومات السابقة التي شارك فيها الاتحاد الاشتراكي ، منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي الذي جهر في بروكسيل بحقيقة كونها كانت حكومة لا تحكم بفعل العوائق الدستورية آنذاك، وعوامل أخرى مرتبطة بتلك الحقبة التوافقية.
وعليه، سيكون بإمكان الحكومة الجديدة تصريف برامجها ومشاريعها بحرية أكبر، وتنفيذ السياسات العمومية بتحكم أفضل في آليات التنفيذ ،الإدارية منها بشكل خاص (المسؤولية الدستورية لرئيس الحكومة على الولاة والعمال مثلا). ولذلك فإن الانتظارات الشعبية من حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران ستكون انتظارات كبرى ومتفائلة، على البرنامج الحكومي المرتقب التجاوب معها، وعلى الأداء الحكومي الالتزام بها وفق أجندة زمنية محددة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتعميقها بوتيرة أسرع وأنجع.
ولا شك في أن المعارضة الاتحادية ستساند كل ما هو إيجابي من إجراءات وتدابير لمحاربة الفساد بمختلف أشكاله ،ومن قرارات اقتصادية واجتماعية تلبي المطالب المستعجلة للمواطنين والمواطنات المرتبطة بمعيشهم اليومي ومتطلباته الحيوية في حفظ الكرامة الإنسانية، و ذلك وفق مقاربة تنموية شمولية للملف الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكل أكبر تحد للحكومة والبلاد في هذه المرحلة.
فماذا سيعارض الاتحاديون الآن إذن؟
– سيعارضون كل تنزيل للدستور الجديد لا يقوم على تأويل ديمقراطي حداثي، يتجه نحو بناء ديمقراطية سياسية واقتصادية واجتماعية تنسجم مع روحه وأفقه. إن كل تأويل محافظ، تقليداني لمقتضيات الدستور سيواجه معارضة اتحادية لا هوادة فيها.
– سيعارض الاتحاد الاشتراكي كل إجراء أو قرار يمس بالحريات الفردية والجماعية، وبمكتسبات المرأة المغربية، و بحرية التعبير الأدبي والفني، والإبداعي بشكل عام.
– سيعارض كل محاولة لتحجيم موقع بعض المواد الدراسية ذات البعد العقلاني والنقدي والتحرري كالفلسفة مثلا التي للإسلاميين بشكل عام انزعاج «وراثي منها» وقد كانت لنا في الصراع معهم دفاعا عن موقع الفلسفة في البرامج الدراسية جولات ،ليس مناسبا الآن استحضار فصولها وتفاصيلها…
إن جوهر الاختلاف مع التعبير السياسي عن المرجعية الإسلامية ،ثقافي أساسا، وها هنا ستكون المعارضة لا البرلمانية فقط بل المجتمعية : معارضة المثقفين والمجتمع المدني، حاسمة في تجنب أي ارتكاس أو نكوص.
إن مجالات الثقافة والإبداع، والتربية والتعليم هي المجالات التي تعكس أكثر من غيرها اختلاف وتمايز المرجعيات، على عكس المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث الإكراهات واحدة والإمكانات المحدودة تتحكم في طبيعة القرارات والإجراءات كيفما كانت طبيعة الحكومة ومرجعية قيادتها، ولذلك فإن دور المثقفين ورجال ونساء التربية والتعليم والمبدعين في مختلف الأجناس الأدبية والفنية هو صمام الأمان في جعل التناوب السياسي الديمقراطي بقيادة العدالة والتنمية ، لا يتناقض مع المشروع المجتمعي الحداثي ومقوماته الأساسية: الحرية، المساواة والعدالة الاجتماعية والانفتاح الفكري والحضاري واحترام التعدد الثقافي واللغوي والعقدي ..
إن المعارضة الاتحادية لن تكون إذن مجرد معارضة منبرية تحت قبة البرلمان، وفوق كراسيه الوثيرة، فهي مطالبة بالتعبير عن نفسها في مختلف الواجهات النشيطة للمجتمع المدني، وبمد جسور فعلية مع حركية ومطالب ونشاطية حركة 20 فبراير، التي هي جزء صميمي من مطالب برنامج الاتحاد الاشتراكي.
إن عودة المجتمع اليوم إلى السياسة، تمر عبر الإسلاميين، عبر توجه محافظ مازال موضوعيا ،شريكا في البناء الديمقراطي. ويبقى رهان الاتحاد الاشتراكي، وهو في موقع المعارضة، هو أن يحمل مشعل معركة الحداثة الفكرية والسياسية ويقود عملية بناء قطب اليسار الاشتراكي الديمقراطي، وهو رهان يقتضي «معارضة» من نوع ثان وفي اتجاه آخر يتمايز عن المعارضة السياسية والبرلمانية ويتكامل معها في نفس الوقت :
1: معارضة دعاة نهاية التاريخ والأيديولوجيا والتاريخ وقطبية :يمين _يسار والذين يعتبرون أن المشروعية السياسية بدأت يوم 25 نونبر ،وكل ما قبله من حقب النضال من أجل الديمقراطية، مجرد حكايات زمن ولى هو وأهله ورموزه وضحاياه.. وتلتحف هذه الدعوة الساذجة والمتهافتة بغطاء الحداثة وذلك في أكبر افتراء على مفاهيمها التي تشكلت في خضم معارك التاريخ العظيمة بآلامها وأمجادها كذلك..
2: معارضة الثقافة السياسية الانتهازية التي انتعشت واستشرت على قاعدة تلك الدعوة المشار إليها أعلاه ، بما أحدثته أيضا من خلط والتباس وميوعة في المشهد السياسي والحزبي الوطني، حيث اخترقت تلك الثقافة المبخسة للفكر والأيديولوجيا والمجردة للانتماء من أي إطار مرجعي،كل الأحزاب بما فيها أحزاب اليسار.. ألم ينخرط بعض منها في ذلك التحالف الثماني الهجين والفاشل ؟
3 : معارضة النزعة العدمية التي ترفض بالمطلق كل تراكم ايجابي ،وكل تدرج نحو الأفق الموحد لليسار (الملكية البرلمانية المكتملة ).كما ترفض بعض تياراتها الدستور والأحزاب القائمة .. و كذلك الحوار كقيمة ديمقراطية وأخلاقية ..وكضرورة لأية ممارسة سياسية تتغيى التقدم على طريق تحقيق التطلعات ، وقطف ما نضج من ثمار شجرة الديمقراطية..
4 :» معارضة الذات الاتحادية «، بالمقاربة الموضوعية والشمولية لعوامل وهنها وتهلهلها ، وباجتراح الحلول العملية والتنظيمية لاستعادة التماسك الداخلي والانسجام في الأداء السياسي اليومي في مختلف مواقع التواجد الحزبي ..كل ذلك لأجل ربح رهان تفعيل الأداة الحزبية ،والمساهمة الفعالة في بناء تقاطبية سياسية حزبية، يشكل فيها الاتحاد واليسار عموما قوة المستقبل الفاعلة والقائدة لمغرب التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية، مغرب الملكية البرلمانية التي إن لم تنجز «هنا والآن» فإنها تلوح في الأفق بشكل واضح أكثر من أي وقت مضى.. وتبقى وتيرة التقدم في إرسائها كاملة مكتملة رهينة، وبشكل حاسم في معالجة كافة قوى اليسار لإعطابها.. وكم هي كثيرة، ومستعصية.. يحتاج الحديث عنها وقفة خاصة..
12/26/2011